ثم عللوا النهى عن الوجل بقولهم :
(إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) أي إنا جئناك بالبشرى بعلام ذى علم وفطنة وفهم لدين لله ، وسيكون له شأن ، لأنه سيصير نبيا.
ونحو الآية قوله «وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا».
ثم قال إبراهيم متعجبا من مجىء ولد من شيخ وعجوز :
(أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ؟) أي أبشرتموني بذلك مع مس الكبر وتأثيره فىّ ، وتلك حال تنافى هذه البشرى.
(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) أي فبأى أعجوبة تبشرون؟ إذ لا سبيل فى العادة إلى مثل ذلك ، وكأنه عليه السلام أراد أن يعرف : أيعطى هذا الولد مع بقائه على حاله من الشيخوخة التامة ، أو يرجع شابا ثم يعطى الولد ، لما جرت به العادة من أن الولد لا يكون إلا حين الشباب.
فأجابوه مؤكدين ما بشروه به ، تحقيقا لما قالوا وليكون بشارة بعد بشارة :
(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) أي قال ضيف إبراهيم له : بشرناك بما يكون حقا ، وإنا لنعلم أن الله قد وهب لك غلاما ، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسوا من خرق العادة ، بل أبشر بما بشرناك به واقبل البشرى.
والخلاصة ـ إنه عليه السلام استعظم نعمة الله عليه ، فاستفهم هذا الاستفهام التعجبي المبنى على السنن التي أجراها الله بين عباده ، لا أنه استبعد ذلك على قدرة الله ، فهو أجل من ذلك قدرا ، ويؤيد هذا جوابه عليه السلام.
(قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) أي قال إبراهيم للضيف : لا ييأس من رحمة الله إلا من أخطأ سبيل الصواب ، وغفل عن رجاء الله الذي لا يخيب من رجاه ، فضلّ بذلك عن الرأى القيّم ، وهذا كقول يعقوب : «لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون».