وخلاصة مقاله ـ إنه نفى القنوط عن نفسه على أتم وجه ، فكأنه قال : ليس بي قنوط من رحمته تعالى ، لكن حالى تنافى فيض تلك النعم الجليلة التي غمرنى بها ، وتوالى المكرمات التي شملت آل هذا البيت.
وبعد أن تحقق عليه السلام مصداق هذه البشرى ورأى أنهم أتوا مختفين على غير ما عهد عليه ملك الوحى؟ سألهم عن أمرهم ليزول عنه الوجل.
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) أي قال لهم : ما الأمر العظيم الذي جئتم لأجله سوى البشرى؟ وكأنه عليه السلام فهم من مجرى حديثهم فى أثناء الحوار أن ليست هذه البشرى هى المقصودة ، بل لهم شأن آخر لأجله أرسلوا. لأنهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى مثل هذا العدد ، ومن ثم اكتفى بالواحد فى بشارة زكريا ومريم عليهما السلام ؛ وأيضا لو كانت البشارة هى المقصودة لابتدءوا بها ، فأجابوه :
(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين من قوم لوط ، واكتفوا بهذا القدر من الجواب ، لأن إبراهيم يعلم أن الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين كان ذلك لهلاكهم وإبادتهم. ومما يرشد إلى هذا الفهم قولهم :
(إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) أي إلا أتباع لوط فى الدين فلن نهلكهم ، بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذب به قوم لوط.
(إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) أي لا نهلك آل لوط وأتباعه إلا امرأته فقد قضى الله أنها من الباقين مع الكفرة ، ثم هى مهلكة بعد ذلك معهم ، وقد أضاف الملائكة هذا التقدير إلى أنفسهم مع أنه لله تعالى ، بيانا لمزيد قربهم من ربهم ، واختصاصهم به تعالى كما يقول خاصة الملك : دبّرنا كذا وأمرنا بكذا ، والمدبر الآمر هو الملك.
وبعد أن بشّروا إبراهيم عليه السلام بالولد وأخبروه بأنهم مرسلون بعذاب قوم مجرمين ـ ذهبوا إلى لوط وآله كما قال سبحانه.