الإيضاح
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي ما من شىء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده والإنعام به متى أردنا دون أن يكون تأخير ولا إبطاء ، فخزائن ملكنا مليئة بما تحبون من النفائس ، غير محجوبة عن الباحث الساعي إلى كسبها من وجوهها بحسب السنن التي وضعناها ، والنظم التي قدرناها ، ولا يمنعها مانع ، ولا يستطيع دفعها دافع ، فهى تحت قبضة الطالب لها إذا أحسن المسعى. وأحكم الطلب كما قال : «فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ».
(وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) أي وما نعطى ذلك ألا بقسط محدود نعلم أن فيه الكفاية لدى الحاجة ، وفيه الرحمة بالعباد كما قال : «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ».
وقد جرت سنة القران بأن يسمى ما يصل إلى العباد بفضل الله وجوده إنزالا كما قال : «وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ» وقال «وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ».
ثم فصل بعض ما فى خزائنه من النعم فقال :
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) أي إن من فضله على عباده وإحسانه إليهم أن أرسل إليهم الرياح لواقح ، ويكون ذلك على ضروب.
(١) أن يرسلها حاملات للسحاب ، فتلقّح بها الأشجار بما تنزل عليها من الأمطار فتغيرها من حال إلى حال ، فتعطيها حياة جديدة ؛ إذ تزدهر أزهارها ، وتثمر أغصانها ، بعد أن كانت قد ذبلت وصوّحت ، وأصبحت فى مرأى العين كأنها ميتة لا حياة فيها كما قال تعالى : «وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ».