وحكى عنه فى آية أخرى أنه قال : «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ».
وتقدم هذا القصص فى سورة الأعراف وقلنا هناك : إن الأمر بالسجود أمر تكليفى ، وأنه قد وقع حوار بين إبليس وربه ، ويرى كثير من العلماء أن القصة بيان لغرائز البشر والملائكة والشيطان ، إذ جعل الملائكة وهم المدبّرون لأمور الأرض بإذن ربهم مسخرون لآدم وذريته ، وجعل هذا النوع مستعدا للانتفاع بالأرض كلها لعله بسنن الله فيها وعمله بهذا السنن ، فانتفع بمائها وهوائها ومعادنها ونباتها وحيوانها وكهربائها ونورها ، وبذا أظهر حكمة الله فى خلقها ، واصطفى بعض أفراده وخصهم بوحيه ورسالته وجعلهم مبشرين ومنذرين ، وجعل الشيطان عاصيا متمردا على الإنسان وعدوّا له ، وجعل النفوس البشرية وسطا بين النفوس الملكية المفطورة على طاعة الله وإقامة سننه فى صلاح الخلق ، وبين أرواح الجن الذين يغلب على شرارهم ـ الشياطين ـ التمرد والعصيان.
وقد ذكر سبحانه حجاج إبليس وذكر سبب امتناعه عن السجود لآدم بأنه خير منه ، فإنه خلق من النار وآدم من الطين ، والنار خير من الطين وأشرف منه ، والشريف لا يعظّم من دونه ولو أمره ربه بذلك.
وفى هذا ضروب من الجهالة وأنواع من الفسق والعصيان فإنه :
(١) اعترض على خالقه بما تضمنه جوابه.
(٢) احتج عليه بما يؤيد به اعتراضه.
(٣) إنه جعل امتثال الأمر موقوفا على استحسانه وموافقته لهواه ، وهذا رفض لطاعة الخالق وترفّع عن مرتبة العبودية.
(٤) استدلاله على خيريته بالمادة التي منها التكوين ، وخيرية المواد بعضها على بعض أمر اعتباري تختلف فيه الآراء ، إلى أن الملائكة خلقوا من النور وهو قد خلق من النار ، والنور خير من النار ، وهم قد سجدوا امتثالا لأمر ربهم.