وخلاصة ما سلف ـ إن الله يأمر بالعدل ، وهو أداء القدر الواجب من الخير ، وبالإحسان ، وهو الزيادة فى الطاعة والتعظيم لأمر الله والشفقة على خلقه ، ومن أشرف ذلك صلة الرحم.
وينهى عن التغالى فى تحصيل اللذات الشهوانية التي يأباها الشرع والعقل ، وعن الإفراط فى اتباع دواعى الغضب بإيصال الشر إلى الناس وإيذائهم وتوجيه البلاء إليهم ، وعن التكبر على الناس والترفع عليهم وتصعير الخدّ لهم.
(يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي أمركم بثلاث ونهاكم عن ثلاث ، كى تتعظوا فتعملوا بما فيه رضاه سبحانه وتعالى ، وما فيه صلاحكم فى دنياكم وآخرتكم.
وبعد أن ذكر المأمورات والمنهيات بطريق الإجمال فى الآية الأولى ـ ذكر بعضها على سبيل التخصيص فقال :
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) أي وأوفوا بميثاق الله إذا واثقتموه ، وعقده إذا عاقدتموه ، فأوجبتم به على أنفسكم حقا لمن عاقدتموه وواثقتموه عليه ، ويدخل فى ذلك كل عهد يلتزمه الإنسان باختياره ، والوعد من العهد ، ومن ثم قال ميمون بن مهران : من عاهدته وفّ بعهده ، مسلما كان أو كافرا ، فإنما العهد لله تعالى.
(وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) أي ولا تخالفوا ما عاقدتم فيه الأيمان وشدّدتم فيه على أنفسكم ، فتحنثوا فيه وتكذبوا وتنقضوه بعد إبرامه ، وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه راعيا يرعى الموفى منكم بالعهد والناقض له بالجزاء عليه.
ثم وعد وأوعد فقال :
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) فى العهود التي تعاهدون الله الوفاء بها ، والأيمان التي تؤكدونها على أنفسكم ، أتبرّون فيها أم تنقضونها؟ وهو محص ذلك كله عليكم وسائلكم عنه وعما عملتم فيه ، فاحذروا أن تلقوه وقد خالفتم أمره ونهيه ، فتستوجبوا منه ما لا قبل لكم به من أليم عقابه.