وبعد أن نهاهم سبحانه عن الإشراك أعقبه بمثل يكشف عن فسادما ارتكبوه من الحماقات والجهالات فقال :
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) أي إن مثلكم فى إشراككم بالله الأوثان ، مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف ، وحرّ مالك ما لا ينفق منه كيف يشاء ، ويتصرف فيه كما يريد ، والفطرة الأولى تشهد بأنهما ليسا سواء فى التجلة والاحترام ، مع استوائهما فى الخلق والصورة ـ فكذلك لا ينبغى لعاقل أن يسوّى بين الإله القادر على الرزق والإفضال والأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شىء البتة.
ثم ذكر ما هو كالنتيجة لما سلف فقال :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي الحمد الكامل لله خالصا دون ما تدعون من دونه من الأوثان ، فإياه فاحمدوا دونها ، ما الأمر كما تفعلون ، ولا القول كما تقولون ، فليس للأوثان عندكم من يد ولا معروف فتحمد عليه ، إنما الحمد لله ، ولكن أكثر هؤلاء الكفار الذين يعبدونها لا يعلمون أن ذلك كذلك ، فهم بجهلهم بما يأتون وما يذرون يجعلونها لله شركاء فى العبادة والحمد.
ثم ضرب مثلا آخر يدل على ما يدل عليه المثل السابق على وجه أظهر وأوضح فقال :
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ، هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟) أي ضرب الله مثلا لنفسه والآلهة التي يعبدونها من دونه مثل رجلين أحدهما أخرس أصم لا يفهم ولا يفهم ، فلا يقدر على شىء مما يتعلق بنفسه أو بغيره ، وهو عيال على من يعوله ويلى أمره ، حيثما يرسله مولاه فى أمر لا يأت بنجح ولا كفاية مهمّ ـ وثانيهما