(وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي وكن من وراء أهلك الذين تسرى بهم ، وعلى إثرهم لتذود عنهم ، وتسرع بهم ، وثراقب أحوالهم ، حتى لا يتخلّف منهم أحد لغرض ، فيصيبه العذاب.
(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) فيرى ما ينزل بقومه فيرق قلبه لهم ، وليوطن نفسه على الهجرة ، ويطيب نفسا بالانتقال إلى المسكن الجديد.
ثم أكدوا هذا النهى بقولهم (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) أي وامضوا حيث يأمركم ربكم غير ملتفتين إلى ماوراءكم كالذى يتحسر على مفارقة وطنه ، فلا يزال يلوى له أخادعه كما قال أبو تمام :
تلفت نحو الحىّ حتى وجدتني |
|
وجعت من الإصغاء ليتا وأخذعا |
والخلاصة ـ إنهم أمروا بمواصلة السير ونهوا عن التواني والتوقف ليكون ذلك أقطع للعوائق ، وأحق بالإسراع للوصول إلى المقصد الحقيقي وهو بلاد الشام.
ثم بين العلة فى الأمر بالإسراء السريع فقال :
(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أي وأوحينا إليه أن ذلك الأمر مقضى مبتوت فيه :
ثم فصّل ذلك الأمر فقال :
(أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) أي إن آخر قومك وأولهم مجذوذ مستأصل صباح ليلتهم ، ولا يبقى منهم أحد ونحو الآية قوله : «فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا».
ثم شرع يذكر ما صدر من القوم حين علموا بقدوم الأضياف وما ترتب عليه بما أشير إليه أولا على سبيل الإجمال فقال :
(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) أي وجاء أهل سدوم حين سمعوا أن ضيفا قد ضاقوا لوطا ـ مستبشرين بنزولهم مدينتهم طمعا فى ركوب الفاحشة منهم.
وفى هذا إيماء إلى فظاعة فعلهم ، إذ هم خالفوا ما جرى به العرف ، وركب فى الأذواق السليمة ، من إكرام الغريب وحسن معاملته ، وقصدوا بهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين.