فضلا عن منع بأس الله إن حل بهم ، ثم أردف ذلك ببيان أن الذي حملهم على الإعراض عن ذلك هو طول الأمد حتى نسوا العهد وجهلوا مواقع النعمة ، وقد كان لهم فى نقص الأرض من أطرافها وفتح المسلمين لها عبرة أيّما عبرة ، فهاهم يرون محمدا صلى الله عليه وسلّم وأتباعه يفتحون البلاد والقرى حول مكة ويدخلونها تحت راية الإسلام ويقتلون الرؤساء والعشائر من المشركين ، فمن حقهم أن يفكروا فى هذا مليّا ويرعووا عن غيهم ويعلموا آثار قدرتنا وأن جندناهم الغالبون ، ثم قفى على ذلك ببيان أن وظيفة الرسل هى الإنذار والتبليغ ، وليس عليهم الإلزام والقبول ، فإذا كانت القلوب متحجرة ، والآذان صماء ، فماذا تجدى العظة ، وما ذا ينفع النصح ، ولئن أصابهم القليل من عذاب الله لتنادوا بالويل والثبور ، واعترفوا على أنفسهم بأنهم كانوا ظالمين ـ ثم قفى على ذلك ببيان أن الدار الآخرة لا ظلم فيها ولا محاباة ، فالمرء يحاسب فيها على الجليل والحقير ، فهناك تنصب موازين العدل ويجازى كل امرئ بما قدم من خير أو شر : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».
الإيضاح
(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) أي سل أيها الرسول أولئك المستهزئين سؤال إنكار وتوبيخ ، من يستطيع أن يحفظكم من الرحمن إذا أراد أن ينزل بكم بأسه وعذابه الذي تستحقونه؟.
والخلاصة ـ من يحفظكم بالليل إذا نمتم ، وبالنهار إذا تصرفتم فى أمور معايشكم من عذاب الرحمن إن نزل بكم ، ومن بأسه إذا حل بساحتكم؟
وفى ذكر (الرحمن) إيماء وتنبيه إلى أنه لا حفظ لهم إلا برحمته ، وإلى أن بأسه أليم شديد ، وإلى أنه قد عذبهم من غلبت رحمته قسوته ، جزاء وفاقا بما دسّوا به أنفسهم من فاسد الطوايا ، وسيىء الأعمال.