وإيضاح هذا ـ أن إبراهيم عليه السلام لما رأى تعظيمهم لهذا الصنم أشد من تعظيمهم لسائر ما معه من الأصنام غضب أشد الغضب وأسند إليه الفعل الصادر منه هو من قبلى أنه هو الذي حمله على ذلك ، وهو يومىء بذلك إلى مقصده وهو إلزامهم الحجة على ألطف وجه وأحسنه ، مع حملهم على التأمل فى شأن آلهتهم.
ومجمل كلامه ـ إن شديد غضبى من تعظيمكم له حملنى على أن أفعل هذا ، والفعل كما ينسب إلى المباشر له ينسب إلى الباعث عليه ؛ فهذا الصنم الأكبر قد كان السبب فى استهانتى بهم وتحطيمى إياهم.
(فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي فاسألوهم عن كسرها ليخبروكم به إن كانوا ممن ينطق على زعمكم أنهم آلهة تنفع وتضر.
وقد كانت مقالة إبراهيم عليه السلام قوية الحجة شديدة الوقع فى نفوسهم ، وكأنما ألقمهم حجرا ، وذلك ما أشار إليه بقوله :
(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) أي فرجعوا على أنفسهم بالملامة ، إذ علموا أن ما لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على إلحاق الضر بمن ألحق به الأذى ـ يستحيل أن يقدر على دفع مضرة عن غيره أو جلب منفعة له ، وإذا فكيف يستحق أن يكون معبودا؟
ثم بين ملامتهم لأنفسهم بقوله :
(فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) أي فقال بعضهم لبعض : إنكم أنتم الظالمون بعبادة ما لا ينطق ، وما هذا منكم إلا غرور وجهل بما ينبغى أن تكون عليه حال المعبود.
ثم أبان أنهم اركسوا بعدئذ ورجعوا عن فكرة سليمة لا غبار عليها بوصفهم أنفسهم بالظلم إلى فكرة خاطئة وهى الحكم بصحة عبادتها مع اعترافهم بأن حالهم دون حال الحيوان ، فلا ينبغى لعاقل أن يعبدها فقال :
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) أي لقد بلغ الأمر بهم أن قالوا إنما اتخذناهم آلهة مع علمنا بأنهم لا ينطقون ولا يتكلمون ، فكيف تأمرنا بسؤالهم ، وإنما قال ينطقون ولم يقل يسمعون أو يعقلون ، مع أن السؤال موقوف على