عنهم العذاب كما قال : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ».
وأما يونس عليه السلام فإنه ذهب فركب مع قوم فى سفينة ، فلما وصلوا اللجة تكفّأت بهم وأشرفوا على الغرق ، فاقترعوا على رجل منهم يلقونه فى البحر يتخففون منه ، فوقعت القرعة على يونس فأبوا أن يلقوه ، ثم أعادوها فوقعت القرعة عليه أيضا فأبوا ، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضا كما يرشد إلى ذلك قوله : «فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» ثم قام يونس وتجرد من ثيابه وألقى بنفسه فى البحر ، فأرسل الله إليه حوتا يشق البحر فالتقمه.
ومعنى مغاضبته قومه أنه أغضبهم بفراقه وهجرته من ديارهم ، لأنهم حين تمادوا فى تكديبه توعدهم بالعذاب ، لكنه لم يأتهم لأنهم تابوا ، فكره أن يكون بين ظهرانى قوم جرّبوا عليه الخلف فيما أوعدهم ، واستحيا منهم ، ولم يعلم توبتهم التي كانت سبب رفع العذاب عنهم.
وخلاصة ذلك ـ إن غضبه كان أنفة من ظهور خلف وعده لا كراهية لحكم الله ، وقد بحث عنه قومه فلم يجدوه ، لأنه نزل إلى سفينة فى البحر هاربا ، فأخرجه الله من الأنبياء أولى العزم كما قال لنبيه : «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ» أي لا تلق أمرى كما ألقاه.
(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي فظن أن لن نضيّق ، عليه الأمر بالحبس أو بغيره.
(فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) أي فدعا ربه فى الظلمات الثلاث التي سبق ذكرها ـ سبحانك لا إله غيرك ، ولا يعجزك شىء.
(إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) لنفسى بالمبادرة بالهجرة دون أمر منك.
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه الذي دعا به ، وأظهر به التوبة على ألطف وجه وأحسنه