ثم ذكر السبب فى شغل أنفسهم بالعبادة فقال :
(يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) أي إنهم يخافون عقاب يوم تضطرب فيه الأفئدة من الهول والفزع ، وتشخص فيه القلوب والأبصار من الهلع والحيرة والرعب والخوف ونحو الآية قوله : «وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» وقوله : «إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ».
ثم بين مآل أمرهم وحسن عاقبتهم فقال :
(لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي يفعلون هذه القربات من التسبيح والذكر وإيتاء الزكاة مع الخوف من عذاب يوم القيامة ـ ليثيبهم الله على حسناتهم التي فعلوها ، فرضها ونفلها ، واجبها ومستحبها.
ونحو الآية قوله : «إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ، فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ، وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً».
وفى قوله (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) إيماء إلى أنه لا يجازيهم على مساوئ أعمالهم بل يغفرها لهم.
(وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي يجزيهم بأحسن الأعمال ، ويضاعف لهم ما يشاء كما قال : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» وقال : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ» وقال صلّى الله عليه وسلّم حكاية عن ربه : «أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».
ثم نبه إلى كمال قدرته وعظيم جوده وسعة إحسانه فقال :
(وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي إنه تعالى يعطيهم غير أجزية أعمالهم من الخيرات ما لا يفى به الحساب ، فهم لما اجتهدوا فى الطاعة ، وخافوا ربهم أشد الخوف ـ جازاهم بالثواب العظيم على طاعتهم وزادهم الفضل الذي لا غاية له ، لخوفهم من قهره وشديد عذابه.