حتى صاروا مضرب الأمثال ، فلما انحرفوا عن الصراط السوي ، والنهج القويم ، تقلّص ظلهم ، وذهب ريحهم ، وصاروا أذلاء مستعبدين بعد أن كانوا السادة الحاكمين ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولما كان من أنفع المواعظ بيان ما يستحقه المذنب من العقاب على جرمه بيّن ذلك بقوله :
(٧) (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي إن الذين يحبون أن يذيع الزنا فى المحصنين والمحصنات من المؤمنين والمؤمنات ، لهم عذاب موجع فى الدنيا بإقامة الحد عليهم واللعن والذم من الناس ، وفى الآخرة بعذاب النار وبئس القرار.
وفى الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «المسلم من سلّم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : «لا يستر عبد مؤمن عورة عبد مؤمن إلا ستره الله يوم القيامة ، ومن أقال عثرة مسلم أقال الله عثرته يوم القيامة».
(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فردوا الأمور إلى ربكم ترشدوا ، ولا ترووا ما لا علم لكم به ، ولا سيما حلائل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتهلكوا.
ثم كرر فضله ورحمته على عباده للمنة عليهم بترك المعاجلة بالعقاب فقال :
(٨) (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي ولولا أن الله تفضل عليكم وأبقاكم بعد الخوض فى الإفك ومكّنّكم من التلافي بالتوبة لهلكتم ، لكنه لرأفته بعباده لا يدع ما هو أصلح للعبد وإن جنى على نفسه.
وبعدئذ حذر عباده من اتباع وساوس الشيطان فقال :
(٩) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا تسلكوا سبل الشيطان وطرقه ، ولا تقتفوا آثاره ، بإشاعتكم الفحشاء فى الذين آمنوا ، وإذا عتكموها فيهم ، بروايتكم إياها عمن نقلها إليكم.