لو تأملتم لعلمتم أن ما جاءكم به هو فخركم فكيف تعرضون عنه؟ وهل تظنون أنه يسألكم أجرا على هدايتكم وإرشادكم ، فما عند الله خير مما عندكم وهو خير الرازقين.
فها هو ذا قد تبين الرشد من الغىّ ، واستبان أن ما تدعوهم إليه هو الحق الذي لا محيص منه ، وأن الذين لا يؤمنون به عادلون عن طريق الحق ، وقد بلغوا حدا من التمرد والعناد لا يرجى معه صلاح ، فلو أنهم ردّوا فى الآخرة إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه ، لشدة لجاجهم وتدسيتهم لأنفسهم.
ولقد قتلنا سراتهم بالسيف يوم بدر ، فما خضعوا ولا انقادوا لربهم ، ولا ردهم ذلك عما كانوا فيه ، بل استمروا فى غيهم وضلالهم كما قال «فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا».
فإذا جاءتهم الساعة بغتة ، وأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون ، أيسوا من كل خير ، وانقطع رجاؤهم من كل راحة وسعادة.
الإيضاح
(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) أي بل قلوب المشركين فى غفلة عن هدى القرآن والاسترشاد بما جاء به ، مما فيه سعادة الناس فى دينهم ودنياهم ، فلو قرءوه وتدبروه لرأوا أنه كتاب ينطق بالصدق ، وأنه يقضى بأن أعمال المرء مهما دقّت فهو محاسب عليها ، وإن ربك لا يظلم أحدا من عباده.
ثم ذكر جنايات أخرى لهم فوق جنايتهم السابقة فقال :
(وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ) أي إن لهم أعمالا أخرى أسوأ من ذلك ، فقد أغرقوا فى الشرك والمعاصي ، واتخذوا هذا الكتاب هزوا ، وجعلوه سمرهم فى البيت الحرام يقولون فيه ما هو منه براء ، يقولون إن هو إلا سحر مفترى ، وما هو إلا أساطير الأولين ، وما هو إلا كلام شاعر ، ويتقوّلون على من أرسل به ، فيزعمون أنه رجل به جنّة ، وأنه قد تعلمه من غيره من أهل الكتاب ، وانغمسوا فى عبادة