وفى هذا إشارة إلى أن الحكمة تقتضى تكليفهم وبعثهم لمجازاتهم على ما قدموا من عمل ، وأسلفوا من سعى فى الحياة الدنيا.
ثم نزه الله نفسه عما يصفه به المشركون فقال :
(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) أي تنزه ربنا ذو الملك والملكوت ؛ الذي لا يزول ، وليس هناك معبود سواه ، وهو ذو العرش الكريم الذي يدبر فيه نظام الكون علويّه وسفليّه وجميع ما خلق عن أن يخلق الخلق عبثا ، وأن تخلوا أفعاله عن الحكم والمقاصد الحميدة ، وأن يكون له ولد أو شريك.
وبعد أن ذكر أنه الملك الحق الذي لا إله إلا هو ـ أتبعه ببيان أن من ادعى أن فى الكون إلها سواه فقد ادعى باطلا ، وركب شططا فقال :
(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي ومن يعبد مع ذلك المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له ، معبودا آخر لا بيّنة له به ، فحزاؤه عند ربه ، وهو موفيه ما يستحقه من جزاء وعقاب.
وفى ذلك من شديد التوبيخ والتقريع ما لا يخفى.
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أي إنه لا يسعد أهل الشرك ، ولا ينجيهم من العذاب.
وما ألطف افتتاح السورة بفلاح المؤمنين ، وختمها بخيبة الكافرين ، وعدم فوزهم بما يؤملون!.
وبعد أن شرح أحوال الكافرين وجهلهم فى الدنيا وعذابهم فى الآخرة ، أمر رسوله بالانقطاع إليه ، والالتجاء إلى غفرانه ورحمته بقوله :
(وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أي وقل أيها الرسول : رب استر على ذنوبى بعفوك عنها ، وارحمني بقبول توبتى وترك عقابى على ما اجترحت من آثام وأوزار ، وأنت ربّنا خير من رحم ذا ذنب ، فقبل توبته وتجاوز عن عقابه إنك ربنا خير غافر ، وإنك المتولى للسرائر ، والمرجوّ لإصلاح الضمائر ، وصلّ ربّنا على محمد وآله.