ثم أبطل السببين الأولين وأثبت الثالث فقال :
(بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي ليس العدول إلا للسبب الأول فحسب ، فهم ما عدلوا إلا لما فى قلوبهم من المرض والنفاق ، وظلمهم لأنفسهم بمخالفة أمر ربهم ومعصيتهم له فيما أمرهم به من الرضا بحكم رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيما أحبّوا وكرهوا ، والتسليم لقضائه.
وبعد أن نفى عنهم الإيمان الحق بين صفات المؤمن الكامل فقال :
(إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي ينبغى أن يكون قول المؤمنين إذا دعاهم الداعون إلى حكم الله ورسوله فيما بينهم وبين خصومهم ـ سمعنا كلامكم وأطعنا أمركم ، وأولئك هم الفائزون بكل مطلوب ، الناجون من كل مخوف.
وبعد أن رتب الفلاح على هذا النوع من الطاعة أتبعه ببيان أن كل طاعة لله ورسوله موجبة للفوز فقال :
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) أي ومن يطع الله ورسوله فيما أمراه به وترك ما نهياه عنه ، ويخش الله فيما صدر منه من الذنوب فيحمله ذلك على الطاعة وترك المعاصي ، ويتقه فى مستأنف أموره ، فأولئك الذين وصفوا بكل هذا هم الفائزون برضاه عنهم يوم القيامة ، والآمنون من عذابه.
ثم حكى سبحانه نوعا آخر من أكاذيب المنافقين بقوله :
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) أي وحلفوا بالله جاهدين أيمانهم بالغين غايتها ـ لئن أمرتهم بالخروج للجهاد والغزو ليلبّنّ الطلب وليخرجنّ كما أمرت.
والخلاصة ـ إنهم أغلظوا الأيمان وشددوها فى أن يكونوا طوع أمرك ورهن اشارتك وقالوا : أينما تكن نكن معك ، فإن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا فرد الله عليهم وزجرهم عن التفوّه بهذه الأيمان الفاجرة وأمره أن يقول لهم :