لم تر أن الله قد غلّظ فى شىء تغليظه فى إفك عائشة رضوان الله عليها ، ولا أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد والعقاب البليغ والزجر العنيف واستعظام ما ركب من ذلك ، واستفظاع ما أقدم عليه ، على طرق مختلفة ، وأساليب مفتنّة ، كل واحد منها كاف فى بابه ، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذفة ملعونين فى الدارين جميعا وتوعّدهم بالعذاب العظيم فى الآخرة ، بأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا ، وأنه يوفّيهم جزاءهم الحق الذي هم أهله اه.
(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦))
المعنى الجملي
بعد أن برأ سبحانه عائشة مما رميت به من الإفك ، ثم ذكر أن رامى المحصنات الغافلات مطرود من رحمة الله ـ أردف ذلك دليلا ينفى الريبة عن عائشة بأجلى وضوح ـ ذاك أن السنة الجارية بين الخلق مبنية على مشاكلة الأخلاق والصفات بين الزوجين ، فالطيبات للطيبين ، والخبيثات للخبيثين ، ورسول الله من أطيب الطيبين ، فيجب كون الصّدّيقة من أطيب الطيبات على مقتضى المنطق السليم ، والعادة الشائعة بين الخلق.
الإيضاح
(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) أي الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال لا يتجاوزنهم إلى غيرهم.