ربنا منه وأن تلوكه ألسنتنا ، وأن يحمل الهواء تلك النبرات الصوتية لتصل إلى أسماعنا ، كما نبرأ إليك ربنا من كل أفّاك أثيم سولت له نفسه أن يكون الوسيلة فى انتشار هذا القول الكاذب بين المؤمنين.
وخلاصة هذا ـ تنزه ربنا أن يرضى بظلم هؤلاء القاذفين ، وألا يعاقبهم على عظيم ما ارتكبوا وكبير ما اجترحوا من الإثم والفسوق ، وأن توسم زوج نبيه بالفجور ، والعقل والدين يمنعان الخوض فى مثل هذا ، لأن فيه إيذاء للنبى صلّى الله عليه وسلّم والله يقول «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ» ولأن فيه إشاعة الفاحشة التي أمر الله بسترها ، ولأن فى إظهار محاسن الناس وترك معايبهم تخلقا بأخلاق الله والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول «تخلقوا بأخلاق الله».
ثم حذر عباده المؤمنين أن يعودوا لمثل هذا فقال :
(٦) (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي يعظكم الله بهذه المواعظ التي بها تعرفون عظم هذا الذنب ، وكبر هذا الجرم ، وأن فيه النكال والعقاب بالحد فى الدنيا ، والعذاب فى الآخرة ، كى لا تعودوا لمثله أبدا إن كنتم من أهل الإيمان تتعظون بعظات الله ، وتأتمرون بأمره ، وتنتهون عما نهاكم عنه.
وفى قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إيماء إلى أن الإيمان يمنع من فعل هذا.
(وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي ويفصّل الله لكم فى كتابه ، آيات التشريع ، ومحاسن الفضائل والآداب ، وهو العليم بكم ، لا يخفى عليه شىء منها ، فيجازى المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته. الحكيم فى تدبير شئونكم وفيما كلفكم به ، مما فيه سعادتكم فى معاشكم ومعادكم ، وبه تسمو نفوسكم وترقى إلى عالم الأرواح ، وتكونون خير الأمم فى سياسة الشعوب وعمارة الأرض ، وإقامة ميزان العدل بين أفرادها «وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ» ولقد صدق الله وعده وعمر أسلافنا الأولون ما كان معروفا فى ذلك الحين وبثوا فيه فضائل الدين وسماحته