الأوثان والأصنام ، ولقد تراهم إذا جاء البرهان الساطع أعرضوا عنه وقالوا : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون.
(حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي حتى إذا حلّ بهم بأسنا يوم القيامة ، وحاق بهم سوء العذاب ، صاحوا صيحة منكرة وقالوا : وا غوثاه ، ووا سوء منقلباه ، لشدة ما يروه من الكرب والهول ، ولا سيما مترفوهم الذي انقلب أمرهم من النعيم إلى العذاب الأليم ، وندموا حين لا ينفع الندم :
ندم البغاة ولات ساعة مندم |
|
والبغي مرتع مبتغيه وخيم |
ثم أبان أن الصريخ والعويل لا يجديهم نفعا فقال :
(لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي قلنا لهم : هيهات هيهات ، قد فات ما فات ، الآن لا يجديكم البكاء والعويل ، فهذا وقت الجزاء على ما كسبت أيديكم ؛ وقد حقّت عليكم كلمة ربكم ، ولا مغيث من أمره ، ولا ناصر يحول بينكم وبين بأسه.
ولا يخفى ما فى ذلك من التهويل الشديد لذلك اليوم وأنه لا تجدى فيه ضراعة ولا استغاثة ، ولا ينفع فيه ولىّ ولا نصير.
ثم ذكر سببا آخر يبين أن البكاء والصراخ لا ينفع شيئا فقال :
(قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي دعوا الصراخ فإنه لا يمنعكم منا ، واتركوا النصير فإنه لا ينفعكم عندنا ، فقد ركبتم شططا ، وجاءتكم الآيات والنذر فأعرضتم عن سماعها ، فضلا عن تصديقها والعمل بها ، وكنتم كمن ينكص على عقبيه مولّيا القهقرى ، نافرا مما يسمع ويرى.
ثم ذكر سببا ثالثا يدعو إلى التنكيل بهم والتشديد فى عذابهم فقال :
(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) أي تعرضون عن الإيمان ، مستعظمين بالبيت الحرام ، تقولون نحن أهل حرمه وخدّام بيته ، فلا يظهر علينا أحد ، ولا نخاف أحدا ، وتسمرون حوله وتتخذون القرآن سلواكم ، والطعن فيه هجّيراكم ، تهذون فتقولون : هو سحر ، هو شعر ، هو كهانة إلى آخر ما يحلولكم أن تتقوّلوه.