وصاروا حائرين لا يدرون ماذا يقولون ولا ما يقدحون به فى نبوتك إلا مثل ذلك السّخف والهذر.
والخلاصة ـ إن ما أتوا به لا يصلح أن يكون قادحا فى نبوتك ولا مطعنا فيك ، فإن كان لهم مطعن فى المعجزات التي أتيت بها فليفعلوا ، ولكن أنّى لهم ذلك؟
ثم رد على ما اقترحوه من الجنة والكنز بقوله :
(تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) أي كثر خير ربك ، فإن شاء وهب لك فى الدنيا خيرا مما اقترحوا فإن أراد جعل لك فى الدنيا مثل ما وعدك به فى الآخرة ، فأعطاك جنات تجرى من تحتها الأنهار ، وآتاك القصور الشامخة والصياصي التي لا يصل إلى مثلها أكثرهم مالا وأعزهم نفرا ، ولكن الله لم يشأ ذلك لأنه أراد أن يكون عطاؤه لك فى الدار الباقية الدائمة ، لا فى الدار الزائلة للفانية ، وإنما كانت مما ذكروا : لكثرتها وجريلن الأنهار من تحت أشجارها وبناء المساكن الرفيعة فيها ، والعرب تسمى كل بيت مشيد قصرا.
ثم انتقل من ذلك إلى كلامهم فى البعث وأمر الساعة مبينا بذلك السبب فى عدم تصديقهم برسوله فقال :
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) أي ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق ، وتقوّلوا عليك ما تقوّلوا ، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث ، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة ـ إنهم أتوا بأعجب من هذا كله ، وهو تكذيبهم بالساعة ، ومن ثمّ فهم لا ينتفعون بالدلائل ، ولا يتأملون فيها.
ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان فقال :
(وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً. إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً. وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً. لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً