حفرةٍ من النار (١) ، مُذقة الشارب ، ونهزة الطامع (٢) ، وقبسة العجلان (٣) ، وموطئَ الاقدام (٤) ، تشربون الطرق (٥) ، وتقتاتون الورق (٦) ، أذلةً خاسئين (٧) ، « تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم » (٨). فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد اللتيا والتي (٩) ، وبعد أن مني بِبُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب (١٠) ، « كلما
__________________
أموال الناس ، أي عفيف عنها. وفي الحديث : « كالطير تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً ». والمراد البيض الخماص إما أهل البيت عليهمالسلام ويؤيده ما في كشف الغمة : « في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً » ، ووصفهم بالبيض لبياض وجوههم ، أو هو من قبيل وصف الرجل بالاغر ؛ وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلّة الاكل ولعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل. أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان رضياللهعنه وغيره ، ويقال لأهل فارس : بيض ، لغلبة البياض على ألوانهم وأموالهم ، إذا الغالب في أموالهم الفضة ، كما يقال لأهل الشام : حمر ، لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم ؛ والأول أظهر. ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان ، وبالبيض الخماص الكمل منهم.
(١) شفا كل شيء : طرفه وشفيره ، أي كنتم على شفير جهنم مشرفين على دخولها لشرككم وكفركم.
(٢) مذقة الشارب : شربته. والنهزة بالضم : الفرصة ، أي محل نهزته. أي كنتم قليلين أذلاء يتخطفكم الناس بسهولة.
(٣) القبسة بالضم : شعلة من نار يقتبس من معظمها. والإضافة إلى العجلان لبيان القلة والحقارة.
(٤) وطي الاقدام مثل مشهور في المغلوبية والمذلة.
(٥) الطرق بالفتح : ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتعبر.
(٦) الورق بالتحريك : ورق الشجر. وفي بعض النسخ : « تقتاتون القد » وهو بكسر القاف وتشديد الدال : سير يقد من جلد غير مدبوغ. والمقصود وصفهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل لعدم اهتدائهم إلى ما يصلحهم في دنياهم ، ولفقرهم وقلة ذات يدهم ، وخوفهم من الاعادي.
(٧) الخاسئ : المبعد المطرود.
(٨) التخطف : استلاب الشيء وأخذه بسرعة ؛ اقتبس من قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ). وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليهالسلام إن الخطاب في تلك الآية لقريش خاصة ، والمراد بالناس ساير العرب أو الاعم.
(٩) اللتيا بفتح اللام وتشديد الياء : تصغير التي ، وجوز بعضه فيه ضم اللام ، وهما كنايتان عن الداهية الصغيرة والكبيرة.
(١٠) يقال : مني بكذا ـ على صيغة المجهول ـ أي ابتلي. وبهم الرجال ـ كصرد ـ : الشجعان منهم ، لأنهم لشدة بأسهم لا يدري من أين يؤتون. وذؤبان العرب : لصوصهم وصعاليكهم الذين لا مال لهم ولا اعتماد عليهم. والمردة : العتاة المتكبرون المجاوزون للحد.