في جميع أعماله الطريق ، فوجه مرة فارسا إلى أذرعات (١) في رسالة ، فلما رجع الفارس من أذرعات نزل اليرموك فصادف في القرية رجلا من الأعراب فلمّا رأى الأعرابي الجندي مدّ يده فنتف من سبال الجندي خصلتين من شعر. فلمّا أن رجع الفارس إلى دمشق اتّصل الخبر بأماجور ما فعل الأعرابي بالفارس ، فدعاه أماجور جو فسأله عن القصة؟ فأخبره ، فأمر بالفارس فحبس ثم قال لكتّابه (٢) اطلبوا معلما يعلم الصبيان ، فجاءوا بمعلم. فقال أماجور للمعلم هو ذا أعطيك نفقة واسعة وتخرج إلى اليرموك ، وأعطيك طيورا تكون معك ، فإذا دخلت القرية تقول لهم : إني معلّم جئت أطلب المعاش وأعلم صبيانكم ، فإذا تمكنت من القرية فارصد لي الأعرابي الذي نتف سبال الفارس (٣) ، وخذ خبره واسمه ، ولا تبرح من القرية وإن بقيت بها مدة طويلة ، حتى يوافي هذا الأعرابي القرية ، فإذا رأيته قد وافى خذ هذا الكتاب الذي أعطيك ، وادفعه إلى أهل القرية حتى يقرءوه ، ثم أرسل الطيور إليّ (٤) بخبرك طيرا خلف طير. ففعل المعلم ذلك. وافى اليرموك ، وأقام بها ستة أشهر حتى وافى الأعرابي القرية فلمّا أن رآه المعلم أخرج كتاب أماجور إلى القرية : الله الله في أنفسكم ، اشغلوا الأعرابي إلى ما أوافيكم ، فإن جئت ولم أوافه (٥) خرّبت القرية وقتلت الرجال وأطلق (٦) المعلم الطيور إلى دمشق بخبر الأعرابي وموافاته القرية ، فلما أن وصل الخبر إلى أماجور ضرب بالبوق ، وخرج من وقته حتى وافى اليرموك في أسرع (٧) وقت ، وأحدقوا بالقرية ، فأصاب الأعرابي في وسط القرية ، فأخذه وأردفه خلف بعض غلمانه ووافى به دمشق ، فلما أصبح أماجور دعا بالأعرابي فقال له : ما حملك على أن رأيت رجلا من أولياء السلطان في قرية لم يؤذك ولم يعارضك نتفت خصلتين من سباله؟ فقال الأعرابي : كنت سكرانا أيها الأمير لم أعقل ما فعلت ، فقال أماجور : ادعوا لي بحجام ، فأتي بحجام فقال : لا تدع في وجه الأعرابي ولا في رأسه ولا على بدنه شعرة إلّا نتفتها ، فبدأ بأشفار عينيه ثم حاجبيه ثم بلحيته ثم بشاربه ثم برأسه ثم بقرنه فما ترك عليه شعرة إلّا نتفها ثم قال : هاتوا
__________________
(١) أذرعات : بلد في أطراف الشام ، يجاور أرض البلقاء وعمان (معجم البلدان).
(٢) وبالأصل «لكتابته» وفي م : «لكاتبه» ولعل الصواب ما أثبت انظر تهذيب ابن عساكر.
(٣) بالأصل «الفاس» والمثبت عن م.
(٤) بالأصل «الذي يخبرك» والمثبت عن م.
(٥) بالأصل وم «أوافيه خربة» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٦) عن الوافي وبالأصل «وجاء».
(٧) في الوافي : في يوم واحد.