ورزق العزّ والجاه في الدين والدنيا ، وكان جمالا للبلد ، زينا للمحافل والمجالس ، مقبولا عند الموافق والمخالف ، مجمعا على أنه عديم النّظير ، وسيف السّنّة ودامغ أهل البدعة.
وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ، ففتك به لأجل التّعصب والمذهب ، وقتل ، وهذا الإمام صبي بعد حول سبع سنين ، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه ، وحضر أئمة الوقت مجالسه ، وأخذ الإمام أبو الطّيّب الصعلوكي (١) في تربيته وتهيئة أسبابه ، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه ، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني ، والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة ، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله ، وحسن إيراده الكلام ، وحفظه للأحاديث ، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال ، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه (٢) ، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات ، بالغ في العفاف والسّداد وصيانة النّفس ، معروف بحسن الصّلاة وطول القنوت ، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل ، وكان محترما للحديث.
قرأت من خط الفقيه أبي سعد السّكري أنه حكى عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين أنه قال (٣) : ما رويت خبرا ولا أثرا في المجلس إلّا عندي إسناده ، وما دخلت بيت الكتب قط إلّا على طهارة ، وما رويت الحديث ، ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس قط إلّا على الطهارة.
قال السّكري : ورأيت كتاب الأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفرايني إليه ، كتبه بخطه وخاطبه بالأستاذ الجليل سيف السّنّة ، وفي كتاب آخر : غيظ أهل الزيغ.
وحكى الأستاذ أبو القاسم الصّيرفي المتكلم أن الإمام أبا بكر بن فورك رجع عن مجلسه يوما فقال : تعجبت اليوم من كلام هذا الشاب ، تكلم بكلام عذب بالعربية والفارسية.
أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ـ بقراءتي ـ حدّثني الحسن بن سعيد العطّار ، قال :
__________________
(١) سهل بن محمد الصعلوكي ، عن منتخب السياق.
(٢) زيد في المنتخب : من الحشمة التامة والجاه العريض.
(٣) القائل هو أبو عثمان بن الصابوني ، صاحب الترجمة.