الفصل الثّاني
داود الرّسول النّبيّ
لمع اسم داود عليهالسلام ، كما رأينا من قبل ، وسطع نجمه ، وتعلق الشعب به والتفوا حوله ، وتنادوا بزعامته ، وأصبح ملء أسماع الناس وأبصارهم ، وهم عن طالوت منصرفون ، وما أن يمضي حين من الدهر حتى يقتل طالوت وولداه ويصبح داود ملكا على بني إسرائيل (١) ، ثم تمضي فترة لا ندري مداها على وجه اليقين ، يختار الله تعالى بعدها عبده داود رسولا نبيا (٢) ،
__________________
(١) تروي التوراة أن داود كان ابن ثلاثين سنة حين ملك ، وملك أربعين سنة ، في حبرون ملك على يهوذا سبع سنين وستة أشهر ، وفي أورشليم ثلاثا وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا (صموئيل ثان : ٥ / ٤ ـ ٥).
(٢) هناك فروق بين النبوة والملك ، منها أن النبوة لا تكون بالإرث ، فولد النبي لا يكون نبيا بطريق الإرث عن أبيه ، بل هي بمحض الفضل الإلهي والاصطفاء الرباني ، ومنها أن النبوة لا تعطي لكافر أبدا ، وإنما تعطي لمؤمن فحسب ، بخلاف الملك فقد يعطي لغير المؤمن ، ومنها أن النبوة خاصة بالرجال ، ولا تكون للنساء ، لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) وإن كان ابن خزم يرى أن هذه الآية الكريمة خاصة بالرسل دون الأنبياء ، ومن ثم فلم يدع أحد أن الله تعالى قد أرسل امرأة ، وأما النبوة وهي لفظة مأخوذة من الإنباء وهو الإعلام ، فمن أعلمه الله عزوجل بما يكون قبل أن يكون ، أو أوحى إليه منبئا بأمر ما فهو نبي بلا شك ، فأمرها مختلف ، وقد جاء في القرآن الكريم بأن الله تعالى قد أرسل ملائكة إلى نساء فأخبرهن بوحي حق من الله تعالى ، كما حدث مع أم إسحاق وأم موسى وأم المسيح عليهمالسلام ، ومنها أن النبوة مجالها الدعوة إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، والملك قد يتعارض مع هذه الدعوة لأنه مظهر من مظاهر العظمة الدنيوية التي جاءت بالتزهيد عنها الأنبياء عليهمالسلام ، ولكن قد يجمع الله النبوة والملك لرجل واحد ، كما حدث مع ـ