ذلك ألسنتهم ، فصار الأمر إلى أن صرفوه في الاختيار ، أيضا ، وعليه حمل قوله تعالى : (قَوارِيرَا)(١) وقال هو والكسائي : ان صرف ما لا ينصرف مطلقا لغة قوم ، الا «أفعل منك» ، وأنكره غيرهما ، إذ ليس بمشهور عن أحد في الاختيار نحو : جاءني أحمد وابراهيم ، ونحو ذلك ، وأما للضرورة فلا خلاف في جواز صرفه ، فلا يصرف ما فيه الألف المقصورة لعدم الضرورة (٢).
ومنع الكوفيون صرف «أفعل من» في الضرورة ، لأن «من» مع مجروره كالمضاف إليه ، فلا ينون ما هو كالمضاف ؛ والأصل الجواز ، لأن الكلام في الضرورة ، وفرق بين المضاف ، وما هو كالمضاف.
وجوّز الكوفيون وبعض البصريين للضرورة ترك صرف المنصرف ، لا مطلقا ، بل بشرط العلمية دون غيرها من الأسباب لقوتها ، كما نبيّن لك عند الكلام في تفصيل الأسباب ، وذلك بكونها شرطا لكثير من الأسباب مع كونها سببا.
واستشهدوا بقوله :
١٧ ـ فما كان حصن ولا حابس |
|
يفوقان مرداس في مجمع (٣) |
__________________
(١) من الآيتين ٤ ، ١٥ من سورة الدهر.
(٢) جوّزه بعضهم واستدل عليه بقول الشاعر :
اني مقسم ما ملكت فجاعل |
|
جزءا لآخرتي ودنيا تنفع |
بتنوين «دنيا» والخلاف بينهم مبني على خلافهم في معنى الضرورة : هل هي ما وقع في الشعر وان كان للشاعر عنه مندوحة ، أو هي ما لا ليس للشاعر عنه مندوحة.
(٣) من أبيات للعباس بن مرداس السّلمي الصحابي : قالها وقد أعطاه الرسول من غنائم حنين بعض الابل في حين أنه أعطى كثيرا من المؤلفة قلوبهم كلا منهم مائة بعير فقال العباس هذه الأبيات ومنها :
وما كنت دون امرئ منهما |
|
ومن تضع اليوم لا يرفع |
وحصن وحابس ، هما والدا : عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وكانا ممن أعطاهما الرسول مائة بعير.
فلما قال ذلك أمر النبي بارضائه. فأعطى مثل ما أعطوا.