أجاب البصرية بأن هذا الاستدلال إنما يصح إذا كان هذا البيت من باب التنازع ، وليس منه لفساد المعنى.
وبيانه مبني على مقدمة ، وهي أن «لو» تنفي شرطها وجزاءها (١) سواء كانا مثبتين أو منفيين ، فإن كانا مثبتين وجب انتفاؤهما ، نحو لو كان لي مال لحججت ، فالحج ووجود المال منفيان ، وإن كانا منفيّين ، وجب ثبوتهما لأن نفي النفي إثبات ، نحو لو لم تزرني لم أكرمك ، فالزيارة والإكرام مثبتان ، وإن كان أحدهما مثبتا دون الآخر ، وجب ثبوت المنفي وانتفاء المثبت ، نحو : لو لم تشتمني أكرمتك ، ولو شتمتني لم أكرمك.
رجعنا إلى بيان فساد معنى البيت لو كان من باب التنازع ، فنقول :
أوله :
٤٩ ـ فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ...
وقوله : أن ما أسعى لأدنى معيشة ، شرط «لو» ، أي لو ثبت أن سعيي لأدنى معيشة ، فيكون المعنى : لم يثبت أن سعيي لأدنى معيشة ، أي : أن طلبي : لقليل من المال ،
وقوله : كفاني ، جزاء «لو» وقوله : لم أطلب قليل من المال عطف عليه ، فيكون حكمه حكم الجواب ، فيكون عدم طلب قليل من المال منفيا ، أي ثبت أن طلبي : لقليل من المال ، وهو إثبات لما نفاه بعينه في المصراع الأول ، فيكون تناقضا فيفسد المعنى.
فإن قال الكوفي : إن التناقض إنما جاء لجعلك الواو في : ولم أطلب للعطف ، ونحن نقول إن الواو للحال.
فالجواب : انك تكون إذن ، مستشهدا بما يحتمل العطف الراجح ، والحال المرجوح ، إذ واو العطف أكثر من واو الحال ، والاستشهاد ينبغي أن يكون بالراجح ، أو بما هو
__________________
(١) هذا المشهور عند النحاة ويسمونها حرف امتناع لامتناع. وقد ناقش ابن هشام في المغني هذا القول وردّ عليه وقال إنه لا يستقيم في كثير من الأمثلة.