فقولك : من قام قمت : اي إن من قام أي ان إنسان قام كقوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)(١) ، وقولك : من ضربت ضربته ، أي إن من ضربت أي إن إنسانا ضربت ، فهو مفعول للفعل الظاهر ، وقولك : من ضربته ضربته ، أي إن من ضربته ، فهو مفعول للفعل المقدر المفسّر بالظاهر ، وكذا في «ما» ، نحو : ما كان فليكن كذا ، هو فاعل ، وفي : ما فعلت أفعل ، هو مفعول للفعل الظاهر بعده ، وفي : ما فعلته أفعله. مفعول للفعل المقدر ، وما تفعل أفعل ، وما تفعله أفعله. وكذا في كلمات الاستفهام.
وقوله : في سلام عليك ، إنه مختص بنسبته إلى السّلام ، لأن أصله : سلمت سلاما ، فسلاما المنصوب منسوب إلى المتكلم ، فإذا رفعته فهو باق على ما كان عليه في حال النصب ، غير مطرد في جميع الدعاء ، إذ ليس معنى : ويل لك ، ويلي لك ، لأن معنى : ويل : الهلاك ، ولو قدرت ، أيضا ، ويلك لك ، لكان خلفا من القول ، بل المراد مطلق الهلاك ، فالأولى أن يقال : تنكيره لرعاية أصله حين كان مصدرا منصوبا ، ولا تخصيص فيه ، إذ تخصيصه بالنظر إلى المخاطب إنما كان بذكر الفعل الناصب والمسند إليه ، وإنما تأخر الخبر عنه مع كونه جارا ومجرورا لتقديم الأهم ، وللتبادر (٢) إلى ما هو المراد ، إذ لو قدمت الخبر وقلت : عليك ، فقبل أن تقول سلام ، ربما يذهب الوهم إلى اللعنة ، فيظن أن المراد : عليك اللعنة ، ولهذا ، انخزل أبو تمام ، وترك الإنشاد على ما يحكي ، لمّا ابتدأ القصيدة وقال :
٥٤ ـ على مثلها من أربع وملاعب (٣).
__________________
(١) الآية ١٧٦ من سورة النساء.
(٢) يريد المبادرة أي المسارعة.
(٣) هذا ليس شاهدا بالمعنى الاصطلاحي ، وإن كان بعض المتقدمين يجوّزون الاستشهاد بكلام أبي تمام ومن هو في درجته. ولكن الرضى ذكره استطرادا لتوضيح المعنى الذي ذهب إليه في شرح قولهم سلام عليك. من أن تأخير الخبر انما هو للمبادرة إلى المراد وخشية أن يوضع في مكان المبتدأ «لو قدم الخبر» شيء غير المقصود كما حدث مع أبي تمام. والبيت مطلع قصيدة لأبي تمام : حبيب بن أوس في مدح أبي دلف العجلي.
ومن جيد أبياتها قوله :
تكاد عطاياه يجنّ جنونها |
|
إذا لم يعوذها بنغمة طالب |