وكذا إن دخل على المبتدأ نواسخه ، نحو : إنّ زيدا سيرا سيرا ، ويجوز أن يكون نحو : ما كان زيد إلا سيرا ، من هذا.
وإنما وجب حذف الفعل ، لأن المقصود من مثل هذا الحصر أو التكرير وصف الشيء بدوام حصول الفعل منه ولزومه له ، ووضع الفعل على التجدد والحدوث ، وإن كان يستعمل المضارع في بعض المواضع للدوام أيضا ، نحو قولك : زيد يؤوي الطريد ويؤمن الخائف ، والله يقبض ويبسط ، وذلك ، أيضا ، لمشابهته لاسم الفاعل الذي لا دلالة فيه وضعا على الزمان ، فلما كان المراد التنصيص على الدوام واللزوم ، لم يستعمل العامل أصلا ، لكونه : إما فعلا ، وهو موضوع على التجدد ، أو اسم فاعل ، وهو مع العمل كالفعل بمشابهته فصار العامل لازم الحذف ،
فإن أرادوا زيادة المبالغة جعلوا المصدر نفسه خبرا عنه ، نحو : زيد سير سير وما زيد إلا سير كما ذكرنا في المبتدأ في قولها :
فإنما هي اقبال وادبار (١) ـ ٦٩
فينمحى ، إذن عن الكلام معنى الحدوث أصلا ، لعدم صريح الفعل وعدم المفعول المطلق الدال عليه ، ولمثل هذا المعنى ، أعني زيادة المبالغة في الدوام ، رفعوا بعض المصادر المنصوبة التي قدمنا أن فاعلها ومفعولها يبيّن بالإضافة أو حرف الجر بعد حذف الفعل لزوما ، تبينا لمعنى الدوام ، قال :
٨٧ ـ عجب لتلك قضية وإقامتي |
|
فيكم على تلك القضية أعجب (٢) |
__________________
(١) تقدم هذا الشاهد في ص ٢٥٤ من هذا الجزء.
(٢) هذا أحد أبيات قالها ضمر بن ضمرة بن جابر النهشلي ـ جاهلي ـ وله قصيدة طويلة تختلف عباراتها كثيرا. وأبرز ما فيها أنه يعتب على أمه التي كانت تؤثر أخاه عليه ، واسمه جندب ، ثم يكلفونه بالمهمات الشاقة ويستريح جندب. ولذلك يقول في هذا الشعر :
أمن السوية أن إذا استغنيتم |
|
وأمنتم فأنا البعيد الأجنب |
وإذا تكون كريهة أدعى لها |
|
وإذا يحاس الحيس يدعى جندب |
والحيس طعام يصنع من اللبن والتمر والسمن. ويحاس أي يصنع. وختمها بقوله :
هذا لعمركم الصغار بعينه |
|
لا أم لي ان كان ذاك ولا أب |