المتقدمة بحيث لا تحتمل من حيث اللفظ سواها ؛ كما في المؤكدة لنفسها ، ويقوّي ذلك أنه لا يجوز لك أن تقول : زيد قائم غير حق أو هو عبد الله قولا باطلا لأن اللفظ السابق لا يدل عليه ، فظهر أن قولهم في نحو : متى زيد قائم ظنّك ، إن ظنك مصدر مؤكد لغيره كحقا في قولك زيد قائم حقّا ، ليس بشيء (١) ، إذ ليس قولك زيد قائم دالا على ظنّ المخاطب نصاّ فانتصابه بنزع الخافص ، كما قيل في : أجدّك ، أو على المصدر لكنه غير مؤكد ، ولا يجوز اظهار ناصبه لكونه مضافا إلى فاعله.
فإذا ثبت هذا قلنا : إنما قيل لمثل هذه المصادر مؤكد لغيره مع أن اللفظ السابق دال عليه نصا ، لأنك إنما تؤكد بمثل هذا التأكيد إذا توهم المخاطب ثبوت نقيض الجملة السابقة في نفس الأمر وغلب في ذهنه كذب مدلولها ، فكأنك أكدت باللفظ النصّ في معنى (٢) ، لفظا محتملا لذلك المعنى ولنقيضه ؛ والنص غير المحتمل ، فلذلك قيل مؤكد لغيره ، وأما المؤكد لنفسه فلا يذكر لمثل هذا الغرض فيسمّى توكيدا لنفسه ، وهذه عبارة المتأخرين ، وسيبويه يسمّى المؤكد لنفسه التأكيد الخاص ، والمؤكد لغيره التأكيد العام.
وقال المصنف : معنى التوكيد لغيره ، أي التوكيد لدفع احتمال غيره ، وليس بشيء ، لأنه في مقابلة التوكيد لنفسه ، فينبغي أن يكون «الغير» (٣) مؤكدّا كالنفس.
وإنما وجب حذف الفعل الناصب في المؤكد لنفسه ولغيره ، لكون الجملتين كالنائبتين عن الناصب من حيث الدلالة عليه ، وقائمتين مقامه ، أعني قبل المصدر ، فلا يجوز تقدم المصدرين على الجملتين لكونهما كالعامل الضعيف.
قال الزجاج ، ولا يمتنع التوسط ، نحو : زيد حقا أخوك.
وأنا ، لا أرى بأسا بارتكاب كون الجملتين بأنفسهما عاملتين في المصدرين لإفادتهما
__________________
(١) خبر قوله فظهر أن قولهم ... الخ
(٢) أي الذي هو نص في معنى ، وقوله بعد ذلك لفظا محتملا ، مفعول أكدت ،
(٣) انظر التعليق رقم ١ ص ٣٧ من هذا الجزء.