وإنما لا تحذفه من المعرفة المتعرفة بحرف النداء ، إذ هي ، إذن ، حرف تعريف ، وحرف التعريف لا يحذف مما تعرف به ، حتى لا يظن بقاؤه على أصل التنكير ، ألا ترى أن لام التعريف لا تحذف من المتعرف بها ، وحرف النداء أولى منها بعدم الحذف ، إذ هي مفيدة مع التعريف : التنبيه والخطاب ،
وكان ينبغي ألّا يحذف من «أيّ» أيضا ، إذ هو ، أيضا ، جنس متعرّف بالنداء ، إلا أن المقصود بالنداء ، لما كان وصفه ، كما تقدم وهو معرفة قبل النداء باللام جاز حذفه ، ألا ترى أنه لا يجوز الحذف من : يا أيهذا ، من غير أن تصف هذا بذي اللام ، كما لا يجوز الحذف من : يا هذا ، فثبت أن الاعتبار في حذف حرف النداء من «أي» بوصفه ، نحو : أيها الرجل ؛ أو بوصف وصفه نحو : أيهذا الرجل.
وإنما لم يجز الحذف عند البصريين مع اسم الإشارة وإن كان متعرفا قبل النداء. لما ذكرنا قبل من أنه موضوع في الأصل لما يشار إليه للمخاطب ، وبين كون الاسم مشارا إليه وكونه منادى ؛ أي مخاطبا تنافر ظاهر ، فلما أخرج في النداء عن ذلك الأصل وجعل مخاطبا ، احتيج إلى علامة ظاهرة تدل على تغييره وجعله مخاطبا وهي حرف النداء ؛
والكوفيون جوّزوا حذف الحرف من اسم الإشارة ، اعتبارا بكونه معرفة قبل النداء ، واستشهادا بقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ)(١).
وليس في الآية دليل ، لأن هؤلاء خبر المبتدأ ، كما يجيء في الحروف ؛
فبقي على هذا من المعارف التي يجوز حذف الحرف منها : العلم والمضاف إلى أي معرفة كانت ، والموصولات.
وأما المضمرات ، فيشذ نداؤها ، نحو : يا أنت ، ويا إياك ؛
تقول في الموصولات : من لا يزال محسنا أحسن إليّ ،
ومن قال في ضبط ما يحذف منه الحرف : إنه يحذف مما لا يوصف به «أيّ» ؛
__________________
(١) الآية ٨٥ من سورة البقرة.