وإنما قالوا إنه تنوين مقابلة ، إذ لو كانت للتمكن (١) لم تثبت في قوله تعالى : (مِنْ عَرَفاتٍ)(٢) ، ولو كانت للتنكير لم تثبت في الأعلام ، وليست عوضا عن المضاف إليه ولا للترنم ، فلم يبق إلا أن يقال هي في جمع المؤنث في مقابلة النون في جمع المذكر ، لأن هذا معنى مناسب ، ألا ترى إلى جعلهم نصب هذا الجمع تابعا للجر ، كما في جمع المذكر ، فالنون (٣) في جمع المذكر قائم مقام التنوين التي في الواحد ، في المعنى الجامع لأقسام التنوين فقط ، وهو كونه علامة تمام الاسم ، وليس في النون شيء من معاني الأقسام الخمسة المذكورة ، فكذلك التنوين التي في جمع المؤنث السالم علامة لتمام الاسم فقط ، وليس فيها أيضا ، شيء من تلك المعاني ، لكنهم حطوها عن النون بسقوطها مع اللام وفي الوقف دون النون لأن النون أقوى وأجلد بسبب حركتها.
وقال الرّبعى (٤) ، وجار الله (٥) : ان التنوين في نحو مسلمات للصرف ، قال جار الله ، وإنما لم تسقط في عرفات ، لأن التأنيث فيها ضعيف لأن التاء التي كانت (٦) فيها لمحض التأنيث سقطت ، والتاء فيها علامة لجمع المؤنث.
وفيما قاله نظر ، لأن «عرفات» مؤنث وإن قلنا إنه لا علامة تأنيث فيها ، لا متمحضة للتأنيث ولا مشتركة ، لأنه لا يعود الضمير إليها إلا مؤنثا تقول : هذه عرفات مباركا فيها ولا يجوز : مباركا فيه ، إلا بتأويل بعيد (٧) كما في قوله :
__________________
(١) أي التنوين ، وكذا في قوله لم تثبت.
(٢) من الآية ١٩٨ من سورة البقرة.
(٣) تحدث هنا عن النون بلفظ المذكر فقال قائم ، ثم تحدث عن التنوين فوصفه بالتي ... وقد أشرنا إلى ذلك في الصحيفة السابقة.
(٤) الرّبعي نسبة إلى ربيعة ، وهو أبو الحسن علي بن عيسى الربعي من علماء القرن الخامس ، أخذ عن السيرافي والفارسي ، توفي ببغداد سنة ٤٢٠ ه.
(٥) جار الله : هو العلامة محمود بن عمر الزمخشري ، أقام بمكة زمنا إلى جوار الحرم الشريف فأطلق عليه جار الله ، توفي سنة ٥٣٨ ه والرضى يذكره بلقبه ، ونسبته.
(٦) في النسخة المطبوعة : لأن التاء التي فيها كانت لمحض التأنيث. ولا يفهم المقصود منها إلا بتكلف ، وإصلاحها إلى ما أثبتناه يوضح المراد منها ، وربما كان ما في المطبوعة تحريفا.
(٧) بأن يراد من عرفات المكان أو الموضع.