لحذف عامله ؛ وحكمة اختصاص وجوب الحذف بالمحذر منه المكرر ، كون تكريره دالا على مقاربة المحذر منه للمحذر ، بحيث يضيق الوقت إلا عن ذكر المحذر منه على أبلغ ما يمكن وذلك بتكريره ولا يتسع لذكر العامل مع هذا المكرر ؛ وإذا لم يكرر الاسم جاز اظهار العامل اتفاقا.
قال المصنف : كأن أصل إياك والأسد : اتّقك (١) ، ثم إنهم لما كانوا لا يجمعون بين ضميري الفاعل والمفعول لواحد إذا اتصلا ، جاءوا بالنفس مضافا إلى الكاف فقالوا : اتق نفسك ثم حذفوا الفعل لكثرة الاستعمال ثم حذفوا النفس لعدم الاحتياج إليه لأن اجتماع الضميرين زال بحذف الفاعل مع الفعل فرجع الكاف ولم يجز أن يكون متصلا لأن عامله مقدر كما يجي في المضمرات فصار منفصلا.
وأرى أن هذا الذي ارتكبه تطويل مستغنى عنه (٢) ، والأولى أن يقال هو بتقدير : إياك باعد أو نحّ باضمار العامل بعد المفعول وإنما جاز اجتماع ضميري الفاعل والمفعول لواحد لكون أحدهما منفصلا ، كما جاز ما ضربت إلا إياك وما ضربت إلا اياي.
فان قلت بينهما فرق وذلك أن المفعول في الحقيقة في : ما ضربت إلا اياي ليس ضمير المتكلم ، بل هو المتعدّد المقدر ، أي ما ضربت أحدا إلا اياي فالفاعل والمفعول فيه ليسا في الحقيقة ضميرين لواحد ، بخلاف قولك : إياي ضربت.
قلت : الضمير المنفصل حكمه في كلامهم حكم الظاهر مطلقا ، كما ذكرت في أول باب المنصوب على شريطة التفسير لكونه مستقلا مثله ، وقد صرّح السيرافي بجواز نحو : إياي ضربت ، وأيضا الظاهر من كلام العرب أن المفعول المقدم على الفعل فيه معنى الحصر ، وإن منعه المصنف ، في شرح المفصل (٣) عند قول «جار الله» : الله أحمد ، فمعنى : اياي
__________________
(١) أمر من : اتقى. متصل به ضمير المفعول.
(٢) أصاب الرضى في هذا النقد.
(٣) لابن الحاجب شرح على متن المفصل للزمخشري وقد أشرنا إلى ذلك في أول الكتاب.