والمشهور من قول البصريين ـ إلا الأخفش ـ : أن «من» لا تكون لابتداء الغاية فى الزمان ؛ بل يخصونها بالمكان ، ومذهب الكوفيين والأخفش : جواز استعمالها فى ابتداء الغاية ـ مطلقا ـ وهو الصحيح ؛ لصحة السماع بذلك.
وتزاد «من» جارة لنكرة بعد نفى ؛ نحو قوله ـ تعالى ـ : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٦٥].
وأشرت بقولى :
... أو كنفى |
|
... |
إلى النهى ، والاستفهام بـ «هل» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ) [فاطر : ٢].
وأشرت بقولى :
مطلقا ... |
|
... |
إلى ما روى عن الأخفش من جواز زيادتها ـ مطلقا (١) ـ ومن شواهد ذلك قول الشاعر : [من الطويل]
وكنت أرى كالموت من بين ساعة |
|
فكيف ببين كان موعده الحشر (٢)؟! |
أراد : وكنت أرى بين ساعة كالموت ، فزاد «من». ومثله قول الآخر : [من الطويل]
يظلّ به الحرباء (٣) يمثل قائما |
|
ويكثر فيه من حنين الأباعر (٤) |
أراد : ويكثر فيه حنين الأباعر. فزاد «من» مع الفاعل المعرفة دون نفى ، ولا ما يشبهه. وروى مثل ذلك ـ أيضا ـ عن الكسائى.
ومثال «من» المبينة للجنس : قوله ـ تعالى ـ : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)
__________________
(١) قال الزمخشرى : ... ولا تزاد عند سيبويه إلا فى النفى والأخفش يجوز الزيادة فى الواجب ويستشهد بقوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ*). ينظر : شرح المفصل : (٨ / ١٠).
(٢) البيت لسلمة بن يزيد الجعفى فى الدرر ٤ / ١٨٢ ، وسمط اللآلى ص ٧٠٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٠٨١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٣ ، ولليلى بنت سلمى فى حماسة البحترى ص ٢٧٤ ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ٢ / ٣٥.
(٣) الحرباء : دويبة نحو العظاية (دويبة أبرص) تستقبل الشمس برأسها ...
(٤) البيت بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٣١٦ ، والدرر ٤ / ١٨٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٥.