لهذا المزج سانحة ، أو دعا إليه استطراد ، فما أكثر ما يمزج النحو باللغة عند ذكر لفظة أو أداة ؛ حيث يعرض لبيان لهجات العرب وما قيل فيها من لغات ، فهو يتعرض لذكر لهجات العرب فى : سوف ، ولعل ، وحيّهل ، وأداة التعريف ، وقطّ ، ولدن ، وهيهات ، وكأين ، وغيرها.
كما يذكر مبانى الأفعال عند حديثه عن الأفعال ، ومبانى المصادر عند حديثه عن المصادر وعملها ؛ كما يستطرد إلى بيان أشكال الجموع عند الحديث عن المثنى والجمع.
وهذا اتجاه تميّز به ابن مالك فى تأليف النحو متأثرّا بنزعة التدريس التى كانت غالبة عليه ، فالاستطراد سمة غالبة على من مارس التدريس ، فهو يجد نفسه مدفوعا إلى هذا الاستطراد فى كثير من الأحيان من غير قصد ، توسّعا فى شرح أو جلاء لغموض ، وما الاستطراد إلا لون من ألوان التيسير والتوضيح.
جـ ـ مزجه بين مصادر الاستشهاد من القرآن والحديث وكلام العرب شعرا ونثرا :
ومسلك ابن مالك فى مزجه لمذاهب السابقين بل ومزجه بين اللغة والنحو والتصريف ، مع اشتغاله باللغة والقراءات والحديث هذا المسلك جعله يذهب فى استخراج الشواهد مذهبا يكاد ينفرد به بين كبار النحاة ، فهو يستمد شواهده أوّلا من القرآن الكريم ، فإن لم يجد به شاهده ، عدل إلى الحديث ، فإن لم يجد ، فمن أشعار العرب وكلامهم.
وقد يكون هذا هو الذى حمله على قبول الشواهد من القراءات لا فرق بين متواترة وشاذة ، ومن الشعر وكلام العرب ، ما دام القائل مشهورا بعروبته ، ومن الحديث الشريف ما دام الراوى ممّن يوثق بروايته ، وهذا الاتجاه الذى تميز به ابن مالك فى مسألة الشواهد ، قد أفسح لنا دائرة الاستشهاد باعتبار الحديث مصدرا من مصادرها ، بل وعدم الوقوف عند شواهد سيبويه والبصريين ، فقد اعتمد هذا الإمام على كثير من شواهد الكوفيين والبغداديين ، وهذا لا شك لون من المرونة فى استخدام الشواهد نحن أحوج ما نكون إليه ، إذا أردنا توضيح قواعد اللغة وتيسيرها والإحاطة بشواهدها ومصادرها.