فإن حمل على الشذوذ كان نظير قولهم : «هو أسود من حنك (١) الغراب» ونظير قول الراجز : [من الرجز]
جارية فى درعها الفضفاض |
|
أبيض من أخت بنى أباض (٢) |
وجائز أن يكون «أبيض» مبنيا من قولهم : «باض الشّيء الشّيء بيوضا» إذا فاقه فى البياض ، فالمعنى على هذا أن غلبة ذلك الماء لغيره من الأشياء المبيضة أكثر من غلبة بعضها بعضا ، و «أبيض» بهذا الاعتبار أبلغ من «أشدّ بياضا».
ويجوز أن تكون «من» المذكورة بعد «أبيض» متعلقة بمحذوف دل عليه «أبيض» المذكور ، والتقدير : ماؤه أبيض أصفى أو أخلص من اللبن.
فإلى هذين التأويلين أشرت بقولى :
... |
|
وذا وشبهه بتأويل قمن |
أى : حقيق. ثم نبهت بقولى :
وما بنوا من فعل مفعول بلا |
|
لبس فليس نادرا ... |
على أن نحو قولهم : «هو أزهى من ديك» و «هو أشهر منه» و «أشغل من ذات النّحيين» و «أعذر» و «ألوم» و «أشرّ» و «أعتى» مما بنى من فعل ما لم يسم فاعله دون إيقاع فى لبس ليس فيه شذوذ فيتوقف فيه على السماع ؛ بل هو فى التفضيل مطرد كاطراده فى التعجب ، بخلاف ما يوقع فى لبس.
ثم نبهت على أن قولهم : «خير من كذا» و «شرّ من كذا» الأصل فيه «أخير» و «أشرّ» ، ولا يكادون يستعملون الأصل ، ومن استعمالهم إياه قول الراجز :
[من الرجز]
بلال خير النّاس وابن الأخير (٣)
__________________
(١) فى أ: حلك.
(٢) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، ٢٣٩ ، وبلا نسبة فى أمالى المرتضى ١ / ٩٢ ، ٢ / ٣١٧ ، والإنصاف ١ / ١٥٠ ، وشرح المفصل ٦ / ٩٣ ، ٧ / ١٤٧ ، ولسان العرب (بيض) ، وتاج العروس (بيض).
(٣) الرجز بلا نسبة فى الدرر ٦ / ٢٦٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٠١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٧٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٦٦.