وقوله صلىاللهعليهوسلم : «التمس ولو خاتما من حديد» (١).
إذ الأوّل معمول لفعل مفسّر بما بعده ، تقديره : لو شرق ، والثّاني معمول لفعل (٢) مدلول عليه بالمعنى تقديره : ولو كان الملتمس خاتما.
هذا حكم ما تدخل عليه من حيث اللّفظ ، وأمّا من جهة المعنى ـ فإنّها تقتضي امتناع شرطها دائما ، وامتناع الجواب معه ، إن لم يكن له سبب آخر غيره ـ كالأمثلة المتقدّمة ـ ، وكقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ (رَبُّكَ)(٣) لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ [يونس : ٩٩].
فإن كان له سبب آخر ، لم يلزم من امتناعه امتناعه ، نحو : «لو لم تكن الشّمس طالعة كان الضّوء موجودا» ، ومنه قول عمر : «نعم العبد صهيب (٤) لو لم يخف الله لم يعصه» (٥) ، إذ ترك العصيان له عدّة أسباب ، منها : المحبّة ، ومنها : الإجلال ، ومنها : الخوف ، فلا يلزم من انتفاء الخوف انتفاؤه ، كما أنّ «الضّوء» له أسباب فلا يلزم من عدم الشّمس انتفاؤه.
__________________
الاسمية علما أنها في أحوالها كلها مختصة بالفعل ، فذكر ابن مالك أن «لو» قد يليها مبتدأ وخبر ، قيل : وهو مذهب الكوفيين ، ومنع ذلك غيرهم وتأولوا ما ورد منه ، فتأول الفارسي البيت على أن «حلقي» فاعل فعل مقدر ، يفسره «شرق» ، و «شرق» خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو شرق. وقال ابن جني : وضعت الاسمية موضع الفعلية شذوذا ، والباء متعلقة بـ «شرق» الواقع خبرا لـ «حلقي». وقال ابن الناظم : «كان» الشأنية مضمرة فيه ، والجملة المذكورة بعد «لو» خبر لها ، تقديره : لو كان الشأن بغير الماء حلقي شرق ، فقوله : «حلقي شرق» جملة اسمية في موضع النصب على أنها خبر «كان». وقد جعل بعضهم دخولها على الجملة الاسمية ضرورة.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤٠ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٥٤ ، الكتاب : ١ / ٤٦٢ ، الخزانة : ٨ / ٥٠٨ ، ١١ / ١٥٢ ، مغني اللبيب : ٤٧٥ ، الهمع : ١٣٠٨ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٨١ ، اللسان : (عصر) ، شواهد المغني : ٢ / ٦٥٨ ، أبيات المغني : ٥ / ٨٢ ، الجنى الداني : ٢٨٠ ، شرح ابن الناظم : ٧١١ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٤٠ ، جواهر الأدب : ٣٢٧ ، تذكرة النحاة : ٤٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٧٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٣٦.
(١) تقدم تخريجه في ص ٢٤٧ / ٢ من هذا الكتاب.
(٢) في الأصل : الفعل.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٤) هو صهيب بن سنان بن مالك ، من بني النمر بن قاسط المعروف بصهيب الرومي ، صحابي جليل ، ولد بالموصل سنة ٣٢ ق. ه وسبي في غارات الروم على ناحيتهم ، فنشأ بينهم ثم اشتراه أحد بني كلب وقدم به مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمي ، ثم أعتقه ، فاحترف التجارة ، وترك أمواله كلها في سبيل إخلاء قريش سبيله في الهجرة ، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ، وتوفي بالمدينة سنة ٣٨ ه ، وله ٣٠٧ أحاديث.
انظر ترجمته في طبقات ابن سعد : ٣ / ١٦١ ، الإصابة ترجمة : ٤٠٩٩ ، حلية الأولياء : ١ / ١٥١ ، صفة الصفوة : ١ / ١٦٩ ، الأعلام : ٣ / ٢١٠.
(٥) تقدم تخريجه ص ٢٤٨ / ٢ من هذا الكتاب.