المفرد ، والباقي بمنزلة المركّب ، والمفرد أصل للمركّب» (١).
وأمّا طرق كتاب «أسرار العربيّة» فقد استقى أبو البركات كثيرا من مادّته من كتابه «الإنصاف في مسائل الخلاف» الذي أشرنا إليه ، ومن كتب البصريّين والكوفيّين على السّواء ؛ وكثيرا ما كان يشير إلى ذلك بقوله : «وقد أوضحنا ذلك في مسائل الخلاف» (٢) أو «وقد أوضحنا ذلك في المسائل الخلافية» (٣) ، ونحو ذلك.
وأمّا أسلوبه في كتابه ، فكان أسلوبا سلسا ، سهلا ، واضحا ، بعيدا عن التّعقيد ، شبيها إلى حدّ ما بأسلوب أبي محمّد الحريريّ (٤) في كتابه «شرح ملحة الإعراب» فلا تحسّ بالجفاف النّحويّ والمنطقيّ الذي تجده في كثير من كتب النّحو التي كتبت في ذلك العصر. والقارئ في كتاب أبي البركات الأنباري ـ أسرار العربيّة ـ لا يشعر بالملل والسّأم الذي يساور من يقرأ أكثر تلك الكتب المشار إليها ، والمدوّنة في ذلك العصر وما قبله ، وما بعده ؛ لأنّها محشوّة بالغريب ، متّسمة بالتّعقيد ، متّصفة بكثرة الاستطرادات التي تجعل القارىء بعيدا عن التّركيز والاستيعاب.
وخلاصة القول : إنّ كتاب «أسرار العربيّة» كتاب متميّز في موضوعه ، متميّز في طريقة عرضه لمادّته ، متميّز ، في وضوحه ، وسهولته ، متميّز في حاجة المبتدئين والمتخصّصين إليه ـ على حدّ سواء ـ نظرا لأهميّته. ويمكن أن يكون هذا الكتاب وما شابهه باكورة فنّ جديد يمكن أن يطلق عليه اسم :
«الفلسفة النّحويّة» قوامه البحث في العلل النّحوية وتأويلاتها وتمحيصها وبيان الرّاجح من المرجوح من حجج النّحاة ، وإبداء الرّأي في تلك العلل ، وبيان الأسس التي قامت عليها ، وهل هي أسس منطقيّة أو لغويّة في ضوء الدّراسات اللّغويّة المعاصرة. ويكون لهذا الفنّ من الفائدة ما فيه على طريق توحيد المصطلحات النّحويّة ، وإزالة الخلافات القائمة بين أصحاب المذاهب النّحويّة بعد اعتماد الرّاجح ، وتجاوز المرجوح ، ولا سيّما ونحن نسعى إلى خدمة لغتنا ، وتسهيل سبل تعلّمها وإتقانها على مختلف الأصعدة.
__________________
(١) أسرار العربيّة ، ص ٢١٩.
(٢) أسرار العربيّة ، ص ٧٣.
(٣) أسرار العربيّة ، ص ١٠٥.
(٤) الحريريّ : هو القاسم بن عليّ الحريريّ البصريّ ولد سنة ٤٤٦ ه ؛ من آثاره : ملحة الإعراب ، وشرح ملحة الإعراب ، ودرّة الغواص في أوهام الخواص ، والمقامات ، وغيرها. مات سنة ٥١٦ ه. نزهة الألبّاء ٣٨١ ، وإنباه الرّواة ٣ / ٢٧.