وهكذا الحال فيما لو حصل المكلّف على مقدار من المال يساوي مقدار الاستطاعة الى الحج ، وكان بحاجة الى شراء بيت به ، فان وجوب صرفه في الحج لا يوجب الضرر بمعنى النقص ، وانما يوجب الحرج بمعنى الوقوع في المشقة لا أكثر.
انّه في هذين الموردين يصدق الحرج بدون الضرر.
وقد ينعكس الامر ، كما اذا أوجب الوضوء المرض ـ كالحمى ـ بدون أن يكون ذلك حرجا.
لو لاحظنا النسبة بين الأدلّة الأوّلية وقاعدة لا حرج وجدناها العموم من وجه ، فدليل وجوب الوضوء ـ مثلا ـ يثبت وجوب الوضوء بشكل مطلق وشامل حتى لحالة الحرج ، ودليل نفي الحرج ينفي كل حكم حرجي بما في ذلك وجوب الوضوء. ومع كون النسبة هي العموم من وجه فلما ذا تقديم القاعدة على الأدلّة الأوّلية ولا يعكس الأمر؟
وقد تقدم عند البحث عن قاعدة لا ضرر بيان عدة وجوه لتقديم قاعدة لا ضرر، ولعل تلك الوجوه تأتي هنا أيضا.
إلاّ أنّ المتعين هنا ـ كما كان هو المتعين في قاعدة لا ضرر ـ كون الوجه في التقديم هو الحكومة ، فقاعدة لا حرج حاكمة بمعنى انها ناظرة الى الأدلّة الأوّلية وتريد ان تبين ان تلك الأدلّة الأوّلية لا تريد اثبات الاحكام بشكل مطلق وشامل حتى لحالة الحرج ، بل هي تختص بحالة عدم الحرج ، فان الله سبحانه لم يجعل على عباده الحرج في تشريعاته ودينه.