الثانية : قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (١) فانّه ورد في الأخبار ان «حنة» و «اشياع» كانتا اختين تزوجت الاولى بعمران أحد زعماء بني اسرائيل ولم تنجب أولادا فدعت الله سبحانه ان يرزقها مولودا فاستجاب دعاءها وأوحى سبحانه إلى عمران انّه سيهبه ولدا يشفي المرضى الذين لا يمكن علاجهم ويحيي الموتى بإذن الله. وحينما حملت حنة ظنّت انّه ذلك المولود فنذرته محرّرا لخدمة بيت المقدس. وحينما وضعته انثى (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) (٢) وحينما حملتها إلى بيت المقدس أخذ علماء بني إسرائيل بالتنافس في الفوز بتربيتها لكونها من اسرة آل عمران المعروفة واتفقوا على الاقتراع وألقوا أقلامهم ـ أي السهام أو الأقلام التي كانوا يكتبون بها الكتاب المقدّس ـ في النهر وغطس جميعها الا قلم زكريا فإنّه طفا ، وذلك ممّا يدل على حجيّة القرعة.
والاعتراضان السابقان يردان هنا أيضا. والجواب هو الجواب.
والصحيح في الاعتراض على الآيتين الكريمتين ان يقال : انهما لا تدلاّن على حجيّة القرعة بمعنى كونها المرجع المتعين من قبل الشرع المقدّس بحيث لا يمكن الحياد عنه إلى غيره عند تمشكل الأمر بل لعل ذلك من باب تسالم الخصوم على الرجوع لها والأخذ بمضمونها نظير ما إذا تمّ الاتفاق على الأخذ بحكم شريف العشيرة أو ما يشبه ذلك. ان هذا محتمل في الآيتين ، ومعه لا يمكن التمسّك بهما لإثبات حجية القرعة
__________________
(١) آل عمران : ٤٤.
(٢) آل عمران : ٣٦.