الكافرين.
فأوّل نبيّ تتحدث عنه هذه السورة ، هو موسى عليهالسلام أحد الأنبياء «أولي العزم» وتبدأ مباشرة بأهم نقطة من حياته وأكثرها «حسّاسية» وهي لحظة نزول الوحي على قلبه وإشراقه فيه ، وتكليم الله إيّاه إذ تقول الآية : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً) (١) اي رأيت نارا من بعيد ، فامكثوا هنيئة (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٢).
في تلك الليلة الظلماء ، كان موسى عليهالسلام يسير بزوجته بنت النبيّ شعيب عليهالسلام في طريق مصر ـ وفي الصحراء ـ فهبت ريح باردة ، وكانت زوجته (أهله) مقرّبا ، فأحسّت بوجع الطلق ، فوجد موسى عليهالسلام نفسه بمسيس الحاجة إلى النّار لتصطلي المرأة بها ، لكن لم يكن في الصحراء أيّ شيء ، فلمّا لاحت له النّار من بعيد سرّ كثيرا ، وعلم أنّها دليل على وجود إنسان أو أناس ، فقال : سأمضي وآتيكم منها بخبر أو شعلة للتدفئة.
ممّا يلفت النظر أنّ موسى عليهالسلام يقول لأهله سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس «بضمير الجمع لا الإفراد» ولعل هذا التعبير هو أنّ موسى عليهالسلام كان معه بالإضافة إلى زوجته أطفال أيضا ... لأنّه كان قد مضى على زواجه عشر حجج (عشر سنين) في مدين .. أو أنّ الخطاب بصيغة الجمع (آتيكم) يوحي بالاطمئنان في هذه الصحراء الموحشة!.
وهكذا فقد ترك موسى أهله في ذلك المكان واتّجه نحو «النّار» التي آنسها (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
وهناك احتمالات مختلفة عند المفسّرين في المراد من قوله تعالى : (مَنْ فِي
__________________
(١) «آنست» فعل ماض مأخوذ من (الإيناس) وهو الرؤية المقرونة بالراحة النفسية والسكينة وإنما يطلق على الإنسان فهو لهذا المعنى.
(٢) «الشهاب» هو النور الذي ينبثق من النار كالعمود ، وكل نور له عمود يدعى شهابا ، وفي الأصل يطلق الشهاب على واحد النيازك التي تهوي من السماء بسرعة مذهلة فتحرق بسبب اصطدامها بالغلاف الجوي فيكون لها عمود من نار ، «والقبس» شعلة من النار تنفصل عنها. «وتصطلون» من الاصطلاء وهو الدفء (بالنار) ..