النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها)! ... فما المقصود من هذا التعبير؟!
ويبدو أنّ المراد من (مَنْ فِي النَّارِ) هو موسى نفسه ، حيث كان قريبا منها ومن الشجرة الخضراء التي عندها ، فكأنّ موسى كان في النّار نفسها ، وأنّ المراد من (مَنْ حَوْلَها) هم الملائكة المقرّبون من ساحة القدس ، الذين كانوا يحيطون بتلك الأرض المقدسة في ذلك الوقت.
أو أنّ المراد ـ على عكس ما ذكرنا آنفا ـ فمن في النّار : هم الملائكة المقرّبون ، ومن حولها هو موسى عليهالسلام.
وعلى كلّ حال فقد جاء في بعض الرّوايات أنّ موسى عليهالسلام لما وصل النّار ونظر بدقّة ، رأى النّار تشتعل من غصن أخضر! وتتسع الشعلة لحظة بعد أخرى ، والشجرة تزداد اخضرارا وجمالا .. فلا حرارة النّار تحرق الشجرة ، ولا رطوبة الشجرة تطفئ لهب النّار ، فتعجب من هذا المشهد الرائع .... وانحنى ليقتبس من هذه النّار ويشعل الغصن اليابس «الحطب» الذي كان معه ، فأتته النّار فارتاع ورجع ... فمرّة يأتي موسى إلى النّار ، ومرّة تأتي النّار إلى موسى ، وبيّنا هو على هذه الحالة ، إذا بالنداء يقرع سمعه مبشرا إيّاه بالوحي.
فالمراد أنّ موسى عليهالسلام اقترب من النّار ألى درجة عبّر عنه بأنّه «في النّار».
والتّفسير الثّالث لهذه الجملة ، هو أنّ المراد من (من في النّار) هو نور الله الذي تجلّى في تلك الشعلة ، والمراد من «من حولها» هو موسى الذي كان قريبا منها. وعلى كل حال فمن أجل أن لا يتوهم أحد من هذه العبارة مفهوم «التجسيم» فقد ختمت الآية بـ (سُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تنزيها له عن كل عيب ونقص وجسميّة وما يعترض الجسم من عوارض!.
ومرّة أخرى نودي موسى بالقول : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وذلك يزول عن موسى عليهالسلام كل شك وتردّد ، وليعلم أنّ الّذي يكلمه هو ربّ العالمين ، لا شعلة النّار ولا الشجرة ، الربّ القوي العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر ،