أفعى كبيرة في المراحل الأخر!
وهنا خوطب موسى مرّة أخرى أن (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) فهنا مقام القرب ، وحرم أمن الله القادر المتعال.
وهنا لا معنى للخوف والوحشة. ومعنى الآية : أن يا موسى إنّك بين يدي خالق الوجود العظيم ، والحضور عنده ملازم لأمن المطلق!.
ونقرأ نظير هذا التعبير في الآية (٣١) من سورة القصص : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ).
إلّا أنّ في الآية التالية استثناء للجملة السابقة ، حيث ذكره القرآن فقال : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)!.
وهناك رأيان مختلفان لدى المفسّرين في علاقة الاستثناء بالجملة :
فالرأي الأوّل : أنّ هناك حذفا ذيل الآية آنفة الذكر وتقديره : إنّك من الآمنين وغير الأنبياء ليس آمنا. ثمّ استثنى سبحانه من ذلك «بإلّا» من ظلم ثمّ بدل حسنا ، فهو من الآمنين أيضا لأن الله غفور رحيم.
والثّاني : أنّ الاستثناء من ضمن الجملة ، والظلم إشارة إلى ترك الأولى الذي قد يقع من الأنبياء ، وهو لا ينافي مقام العصمة ، ومعنى الآية على هذا الرأي : أن الأنبياء في حال ترك الأولى غير آمنين أيضا ، وأنّ الله يحاسبهم حسابا عسيرا ، كما جاء في آيات القرآن عن قصّة آدم وقصّة يونس عليهماالسلام!.
إلّا أولئك الذين التفتوا إلى ترك الأولى ، وانعطفوا نحو الله الرحيم ، فبدلوا حسنا وعملا صالحا بعد ذلك ، كما جاء في شأن موسى عليهالسلام نفسه في قصّة قتله الرجل القبطي ، إذ اعترف موسى بتركه الأولى ، فقال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (١).
__________________
(١) القصص ، ١٦.