أمّا المعجزة الثّانية التي أمر موسى أن يظهرها ، فهي اليد البيضاء ، إذ تقول الآية : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ).
والقيد (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) إشارة إلى أن بياض اليد ليس من برص ونحوه ، بل هو بياض نوراني يلفت النظر ، وهو بنفسه كاشف عن إعجاز وأمر خارق للعادة : ومن أجل أن يظهر الله تعالى عنايته ولطفه لموسى أكثر ، وكذلك منح الفرصة للمنحرفين للهداية أكثر ، قال لموسى بأن معاجزه ليست منحصرة بالمعجزتين الآنفتين ، بل (فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١).
ويستفاد من ظاهر الآية أن هاتين المعجزتين من مجموع تسع معاجز «آيات» موسى المعروفة ، وقد استنتجنا ذلك من الآية (١٠١) من سورة الإسراء ، وإن المعاجز السبع الأخر هي :
١ ـ الطوفان ٢ ـ الجراد ٣ ـ كثرة الضفادع ٤ ـ تبدل لون نهر النيل كلون الدم ٥ ـ الآفات في النباتات. وكل واحدة من هذه المعاجز الخمس تعدّ إنذارا لفرعون وقومه ، فكانوا عند البلاء يلجأون إلى موسى ليرفع عنهم ذلك.
أمّا المعجزتان الأخريان فهما ٦ ـ القحط «السنين» ٧ ـ ونقص الثمرات. إذ أشارت إليهما الآية (١٣٠) من سورة الأعراف فقالت : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ...) «ولمزيد الإيضاح يراجع الجزء التاسع من التّفسير الأمثل ذيل الآية (١٠١) من سورة الإسراء».
وأخيرا تعبّأ موسى بأقوى سلاح ـ من المعاجز ـ فجاء إلى فرعون وقومه يدعوهم إلى الحق ، كما يصرح القرآن بذلك في آيته التالية (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ).
ومعلوم أنّ هذا الاتّهام «بالسحر» لم يكن خاصّا بموسى عليهالسلام ، بل اتّخذه
__________________
(١) الجار والمجرور «في تسع آيات» إمّا متعلقان بجملة (اذهب) أو بأحد أفعال العموم المقدرة .. وقد تكون (في) بمعنى (مع) و (إلى فرعون) متعلق بالجملة ذاتها ، أو بجملة أنت مرسل بها المفهومة من السياق تقديرا.