في هذا البناء .. حتى أنّه ما من مكان إلّا وتسمع فيه أصوات هذا البناء أو أصداؤه!.
وكلما اعتلى البناء أكثر فأكثر كان الناس يأتون للتفرج ، وما عسى أن يفعل فرعون بهذا البناء وهذا البرج.
صعد البناء إلى مرحلة بحيث أصبح مشرفا على جميع الأطراف. وكتب بعضهم : إنّ المعمارين بنوا هذا البرج بناء بحيث جعلوا حوله سلالم حلزونية يمكن لراكب الفرس أن يرتقي الى أعلى البرج.
ولمّا بلغ البناء تمامه ولم يستطع البناؤون أن يعلوه أكثر من ذلك .. جاء فرعون بنفسه يوما وصعده بتشريفات خاصة .. فنظر إلى السماء فوجدها صافية كما كان ينظرها من الأرض لم تتغير ولم يطرأ عليها جديد.
المعروف أنّه رمى سهما إلى السماء ، فرجع السهم مخضبا بالدم على أثر إصابته لأحد الطيور أو أنّها كانت خديعة من قبل فرعون من قبل .. فنزل فرعون من أعلى القصر وقال للناس : اذهبوا واطمأنوا فقد قتلت إله موسى (١).
ومن المسلم به أن جماعة من البسطاء الذين يتبعون الحكومة اتباعا أعمى وأصم ، صدّقوا ما قاله فرعون ونشروه في كل مكان ، وشغلوا الناس بهذا الخبر لإغفالهم عن الحقائق!.
ونقلوا هذا الخبر أيضا ، وهو أنّ البناء لم يدم طويلا «وطبعا لا يدوم» أجل لقد تهدم البناء وقتل جماعة من الناس .. ونقلوا في هذا الصدد قصصا أخرى ، وحيث أن لم تتّضح صحتها لنا فقد صرفنا عنها النظر.
والذي يلفت النظر أن فرعون في كلامه هذا (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) كان قد استعمل نهاية الخبث ومنتهى الشيطنة .. إذ كان يرى من المسلّم به أنّه إله!! .. وكان مدار بحثه : هل يوجد إله غيره؟!! .. ثمّ ينفي أن يكون هناك إله سواه إله ؛ لعدم وجود الدليل!!
__________________
(١) مقتبس من تفسير أبي الفتوح الرازي ذيل الآيات محل البحث ، ج ٨٩ ، ص ٣٦٢.