وفي المرحلة الثّالثة والأخيرة ، ومن أجل أن يقيم الدليل على عدم وجود إله غيره بنى ذلك الصرح!.
كل هذه الأمور تؤكّد جيدا أنّه كان يعرف تلك المسائل ، إلّا أنّه كان يضلل الناس ويصرف أفكارهم عن الحق ، ليحفظ موقعه وحكومته!.
بعد هذا كلّه يتحدث القرآن عن استكبار فرعون ومن معه ، وعدم إذعانهم لمسألتي «المبدأ والمعاد» بحيث كان فرعون يرتكب ما يشاء من إجرام وجنايات بسبب انكار هذين الأصلين فيقول : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ).
هذا الإنسان الضعيف الذي لا يستطيع أن يبعد عن نفسه بعوضة ، وربّما قتله ميكروب لا يرى بالعين المجرّدة كيف يمكن له أن يدعي العظمة والألوهيّة!؟.
ورد في الحديث القدسي أنّ الله سبحانه يقول : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النّار» (١).
ومن البديهي أنّ الله لا يحتاج إلى أوصاف كهذه .. ولكن حالة الطغيان والعدوان تستولي الإنسان حينما ينسى نفسه ، وتملأ ريح الكبر والغرور فكره!
لكن لننظر إلى أين وصل هذا الغرور بفرعون وجنوده؟!
يقول القرآن الكريم : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ).
أجل ، لقد جعلنا سبب موتهم في مصدر معيشتهم ، وجعلنا النيل الذي هو رمز عظمتهم وقوّتهم مقبرة لهم!.
من الطريف أنّ القرآن يعبّر بـ «نبذناهم» من مادة «نبذ» على زنة «نبض» ومعناه رمي الأشياء التي لا قيمة لها وطرحها بعيدا ، ترى ما قيمة هذا الإنسان الأناني المتكبر المتجبّر الجاني المجرم؟!
أجل ، لقد نبذنا هؤلاء الذين لا قيمة لهم من المجتمع البشري ، وطهّرنا
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، التّفسير الكبير ، للفخر الرازي ، تفسير الميزان وتفاسير أخر ذيل الآية محل البحث.