والتعبير بعسى «من أفعال الرجاء» مع أن الذي آمن وعمل صالحا فهو من أهل الفلاح حتما ـ ربّما كان لأنّ الإيمان والعمل الصالح مشروطان بالبقاء والدوام عليهما ، وحيث أن التائبين لا يبقى جميعهم على التوبة ، بل قد يعود بعضهم لعمله السابق ، عبر القرآن بقول : (فَعَسى) .. إلخ.
قال بعض المفسّرين : التعبير بـ «عسى» حين يكون من شخص كريم ، فإنّه يدل على المفهوم القطعي ، والله سبحانه أكرم الأكرمين.
والآية التي بعدها في الحقيقة دليل على نفي الشرك وبطلان عقيدة المشركين ، إذ تقول: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (١).
فالخلق بيده ، والتدبير والإختيار بيده أيضا ، وهو ذو الإرادة ، وليس لأحد سواه أن يفعل ما يشاء ، فكيف بالأصنام؟!
فاختيار الخلق بيده ، والشفاعة بيده ، وإرسال الرسل بيده أيضا. والخلاصة أنّ اختيار كل شيء متعلق بمشيئته وإرادته المقدسة ، فعلى هذا لا يمكن للأصنام أن تعمل شيئا ، ولا حتى الملائكة والأنبياء ، إلّا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى!
وعلى كل حال فإطلاق الإختيار دليل على عموميته .. بمعنى أن الله سبحانه صاحب الإختيار في الأمور التكوينية والأمور التشريعية أيضا .. فجميعها يتعلقان به.
فمع هذه الحال ، كيف يسلك هؤلاء طريق الشرك ويتجهون نحو غير الله؟ لذلك فإنّ الآية تنزه الله عن الشرك وتقول : (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وفي الرّوايات الواردة عن أهل البيت عليهمالسلام فسرت الآية المتقدمة باختيار الأئمّة المعصومين من قبل الله سبحانه ـ وجملة (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أيضا وردت في هذا المعنى ، وهي في الواقع من قبيل بيان المصداق الواضح ، لأنّ
__________________
(١) «ما» في جملة «ما كان لهم الخيرة» نافية ، ولكن البعض يحتمل أنّها موصولة ومعطوفة على المفعول المحذوف «ليختار» لكن هذا الاحتمال بعيد جدا ...