الذنوب .. لأنّ كل ما نهى الله عنه فهو على خلاف نظام خلق الإنسان وتكامل وجوده حتما ، فارتكاب ما نهى الله عنه يدمر نظام حياة الإنسان ، لذا فهو أساس الفساد في الأرض! حتى مسألة الاستعلاء ـ بنفسها ـ هي أيضا واحدة من مصاديق الفساد في الأرض ، إلّا أن أهميته القصوى دعت إلى أن يذكر بالخصوص من بين جميع المصاديق للفساد في الأرض!.
وقد رأينا في قصّة «قارون» وشرح حاله أنّ السبب الأساس في شقوته وهلاكه هو العلوّ و «الاستكبار».
ونجد في الرّوايات الإسلامية اهتماما بهذه المسألة حتى أنّنا نقرأ حديثا عن الإمام أمير المؤمنين على عليهالسلام يقول : «إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها» (١).
(وهذا أيضا فرع صغير من الاستعلاء).
ومن الطريف أنّ صاحب «تفسير الكشاف» يعلق بعد ذكر هذا الحديث فيقول : بعض الطامعين ينسبون «العلوّ» في الآية محل البحث لفرعون بمقتضى قوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) ، (٢) والفساد لقارون بمقتضى قوله : (تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) ، (٣) ويدعون بأن من لم يكن كمثل فرعون وقارون فهو من أهل الجنّة والدار الآخرة ، وعلى هذا فهم يبعدون فرعون وقارون وأمثالهما من الجنّة فحسب ، ويرون الباقين من أهل الجنّة ، إلّا أنّهم لم يلاحظوا ذيل الآية (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) بدقة ـ كما لاحظها الإمام علي عليهالسلام (٤).
وما ينبغي إضافته على هذا الكلام هو أن هؤلاء الجماعة أخطئوا حتى في معرفة قارون وفرعون .. لأنّ فرعون كان عاليا في الأرض وكان من المفسدين
__________________
(١) تفسير جوامع الجامع ، ذيل الآية محل البحث.
(٢) سورة القصص ، الآية ٤.
(٣) سورة القصص ، الآية ٧٧.
(٤) تفسير الفخر الرازي ، ذيل الآية محل البحث.