(إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ، (١) وقارون أيضا كان مفسدا وكان عاليا بمقتضى قوله : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ). (٢)
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه كان يسير في الأسواق أيام خلافته الظاهرية ، فيرشد التائهين إلى الطريق ويساعد الضعفاء ، وكان يمرّ على الباعة والكسبة ويتلوا الآية الكريمة (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً). ثمّ يضيف سلام الله عليه : «نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من الناس» (٣).
ومعنى هذا الكلام ، أنّه كما لم يجعل الخلافة والحكومة وسيلة للاستعلاء ، فلا ينبغي أن تجعلوا أموالكم وقدرتكم وسيلة للتسلط على الآخرين ، فأنّ العاقبة لأولئك الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا وكما يقول القرآن في نهاية الآية (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
و «العاقبة» بمفهومها الواسع هي النتيجة الصالحة ، وهي الانتصار في هذه الدنيا ، والجنّة ونعيمها في الدار الأخرى ... وقد رأينا أنّ قارون وأتباعه إلى أين وصلوا وأيّة عاقبة تحمّلوا! مع أنّهم كانوا مقتدرين ولكن حيث كانوا غير متقين فقد ابتلوا بأسوأ العاقبة والمصير!.
ونختم كلامنا في شأن هذه الآية بحديث للإمام الصادق عليهالسلام وهو أنّ الإمام الصادق حين تلا هذه الآية أجهش بالبكاء وقال : «ذهبت والله الأماني عند هذه الآية» (٤).
وبعد ذكر هذه الحقيقة الواقعية ، وهي أن الدار الآخرة ليست لمن يحب
__________________
(١) سورة القصص ، الآية ٤.
(٢) سورة القصص ، الآية ٧٩.
(٣) نقل هذه الرواية زاذان عن أمير المؤمنين «مجمع البيان (ذيل الآية محل البحث)».
(٤) تفسير علي بن إبراهيم ذيل الآية محل البحث.