هل كانوا جميعا من جنود سليمان؟ فتكون (من) في الآية بيانية ، أو أن قسما منهم كان يؤلف جيشه وجنوده فتكون (من) تبعيضية .. ويبدو أن هذا بحث لا طائل تحته ... لأنّ سليمان ـ دون أدنى شك ـ لم يكن حاكما على وجه البسيطة كلها ، بل كانت منطقة نفوذه وحكومته منطقة الشام وبيت المقدس ، وقد يدخل بعض ما حولهما تحت سلطته وحكومته!.
كما يستفاد من الآيات التالية أنّه لم تكن له بعد سلطة على اليمن أيضا .. وإنّما صارت اليمن تحت نفوذه بعد قصّة الهدهد و «تسليم ملكة سبأ» وإذعانها له.
وجملة (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) في الآيات التالية ، تدلّ على أن هدهدا واحدا كان ضمن الطير التي كانت تحت أمر سليمان ، بحيث أنّه لما افتقده سأل عنه ، فلو كانت الطيور جميعها تحت أمره وفيها آلاف الهداهد ، لكان هذا التعبير غير صحيح «فتأمّلوا بدقة».
وعلى كل حال ، فإنّ سليمان تحرك بهذا الجيش العظيم (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ).
فخاطبت نملة من النمل أصحابها محذرة ، كما تقول الآية : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١).
ولنا كلام سيأتي ـ إن شاء الله ـ في كيفية اطّلاع النملة ومعرفتها بحضور سليمان وجنوده في تلك المنطقة ، وكيف أوصلت صوتها إلى بقية النمل؟.
ويستفاد ضمنا من جملة (لا يَشْعُرُونَ) أن عدل سليمان كان ظاهرا وواضحا حتى عند النمل ، لأنّ مفهوم الجملة أن سليمان وجنوده لو شعروا والتفتوا إلى النملة الضعيفة لما وطأوها بالأقدام ، وإذا وطئوها فإنّما ذلك لعدم توجههم والتفاتهم. (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها).
هناك كلمات مختلفة عند المفسّرين في الشيء الذي أضحك سليمان ،
__________________
(١) قال بعض المفسّرين : إن (التاء) في النملة للوحدة ، وتأنيث الفعل مراعاة لظاهر الكلمة! ..