والظاهر أن القضية ذاتها كانت عجيبة عند سليمان ، بحيث تحذّر نملة صويحباتها من النمل ... تحذرهنّ من تحطيم سليمان وجنوده إياهن وهم لا يشعرون :فضحك من أجلها!
وقال بعضهم : كان ضحك سليمان سرورا منه بأن عرف أن النمل تعترف بتقواه وعدالته وتقوى جنوده وعدالتهم.
وقال بعضهم : كان ضحكه وتبسمه لأنّ الله أعطاه هذه القدرة ، وهي أنّه برغم جلجلة جيشه ولجبه فإنّه التفت إلى صوت النملة مخاطبة بقية النمل فلم يغفل عنها.
وعلى كل حال ، فإن سليمان توجه نحو الله .. داعيا وشاكرا مستزيدا فضله (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) (١).
أي ، لتكون لي القدرة أن استعمل هذه النعم جميعها في ما أمرتني به وما يرضيك ، ولا أنحرف عن طريق الحقّ .. فإن أداء شكر هذه النعم لا يكون إلّا بتوفيقك وإعانتك. (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) وهو يشير إلى أن بقاء هذا الجيش وحكومته وتشكيلاتها الواسعة غير مهم بالنسبة إليه ، بل المهم أن يؤدي عملا صالحا يرضي به ربّه ، وحيث أن «أعمل» فعل مضارع فهو دليل على طلب استمرار التوفيق من قبل الله له.
والطلب الثّالث الذي طلبه سليمان من ربّه ، كما حكته الآية ، هو أن يجعله في زمرة الصالحين ، إذ قال : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) ..
* * *
__________________
(١) «أوزعنى» من مادة (إيزاع) ومعناه «الإلهام» ، أو المنع عن الانحراف ، أو إيجاد العشق والتعلق ، إلّا أن أغلب المفسّرين اختاروا المعنى الأوّل.