وكثيرا ما يتفق أنّه لو استطاع الإنسان أن يبيّن قول الحق بصورة يراه الطرف الآخر متطابقا لفكره ورأيه ، فسرعان ما ينعطف إليه وينسجم معه ، لأنّ الإنسان ذو علاقة بفكره كعلاقته بأبنائه.
وهكذا فإنّ القرآن الكريم يثير الكثير من المسائل على صورة «السؤال والاستفهام» لينتزع جوابه من داخل فكر المخاطب فيراه منه!
وبالطبع فإنّ لكل قانون استثناء ، ومنها هذا القانون أو الأصل الكلي في البحث والمجادلة الإسلامية ، فقد يعدّ في بعض الموارد ضعفا ، أو يكون الطرف الآخر مغرورا الى درجة أن هذا التعامل الإنساني يزيده جرأة وعدوانا وتكبرا ، لذلك فإنّ القرآن يضيف مستثنيا : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
وهم الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الآخرين ، وكتموا كثيرا من الآيات ، لئلا يطلع الناس على أوصاف النّبي محمّد صلىاللهعليهوآله.
الظالمون الذين جعلوا أوامر الله التي لا تنسجم مع منافعهم الشخصية تحت أقدامهم.
الظالمون الذين آمنوا بالخرافات فكانوا كالمشركين في عقيدتهم إذ قالوا : إن المسيح ابن الله ، أو العزير ابن الله.
وأخيرا فهم أولئك الذين ظلموا وتذرعوا بالسيف والقوّة بدلا من البحث المنطقي ، وتوسّلوا بالشيطنة والتآمر على النّبي صلىاللهعليهوآله وعلى الإسلام.
ويختتم الآية بمصداق بارز من «المجادلة بالتي هي أحسن» ويمكنه أن يكون قدوة لأي بحث ؛ فيقول القرآن الكريم : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
كم هو جميل هذا التعبير! وكم هو رائع هذا النغم واللهجة! لهجة الوحدة والإيمان بكل ما أنزل الله الواحد ، وحذف جميع العصبيّات ، ونحن وأنتم جميعا موحدون لله مسلمون له.